2 دقائق للقراءة
“بريء براءة الذئب من دم يوسف”..ليس في التاريخ شهادة براءة كتلك التي أخذها الذئب…لكننا،وبرغم كل ذلك، لازلنا نتهمه…فالذئب يرمز لدينا للغدر والوحشية..ففلان ذئب..أي غدار لا أمان له…وأولئك ذؤبان أي فُتّاك وسفاكون…إننا نظلمه بشكل مستمر وننتهك حقوقه..رغم أني لا أنكر جرائمه على القطعان والمَزارع والبشر…ولا شك أن أحد الخرفان لو سمعني لتقدم بقضية ضدي..لكن لابد من فهم الذئب وإنصافه…فهو حقا لم يتعمد أن يكون مجرما قاسيا..هو فقط يتفاعل مع حقيقته..كونه “ذئب”.
“الذيب الحر يشرب بذيله”..هكذا قالت لي السباسب ذات يوم..أي أنه حذر جدا..أليس هذا أمرا رائعا…والذئب دقيق رشيق…يتسلل ويراوغ..ليس لصا..هو فقط يدافع عن بقائه…لكنه لم يأكل لحم أخيه..لم يطعن في الظهر..أجل..كم من مأساة سببتها الذئاب..هو لا يفرق بين لحم خروف ولحم طفل..لكنها غريزة البقاء لا متعة مَرَضيّة للقتل، فانظر للبشري حين ينتزع إنسانيته ويفقد الرحمة من قلبه كي يقتل بدم بارد ويستمع كثيرا، أليس الذئب ارحم من كثير من البشر؟؟؟
والذئب لا يتنكر لأصله..يظل ذئبا، على عكس زميله السابق وابن عائلته..الكلب..فالذئب لم يدجّن..لم يخضع..وحتى إن رباه أعرابي وأشربه حليب شاته..فالذئب ذئب..وأول ما يستعيد ذاكرته الذئبية سيتصرف على سجيته..ببساطة اِلْتهم الشاة فقال الأعرابي فيما رواه الجاحظ في كتابه الحيوان:
شربت حليبها وأكلت شاتي فمن أنباك بان أباك ذيبُ
وهل يحتاج لمن ينبئه..الأمر في دمه..هو لا يخون دمه..فهل نفعل نحن البشر؟؟؟
الذئب أصيل جدا وواقعي..وحين يمسك به الشرك..يقطع قدمه…يتقبل الخسارة بصبر..ثم يمضي ليلعق جراحه في صمت ولا يشكو لأحد..
الذئب صديق الصعاليك الذين تمردوا على ظلم القبائل..ولذلك كانوا يحبونه وقال أحدهم، رغم أنه كان من الفتاك المخضرمين وتاب فيما بعد:
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى وصوّت إنسان فكدت أطير
ولكن البشر دائما ينظرون إليه بعين النقص والاتهام، فانظر قول الشاعر:
وَواضِعُ الجُودِ في أَعداءِ نِعمَتِهِ كَمُودِعِ الذِئبِ في بَرِّيَّةٍ غَنَما
ومن قال لأحد أن يودع الغنم للذئب!! فالذئب يستمتع بذلك ولا يكترث للهجوم الشعري..هو يعشق الشعر على طريقته..وهو بارع جدا في الصيد..متعة حياته..لكنه حين يُودَع قطيعا من الغنم..يا للروعة..هو يضحك غبطة ويكتم ضحكته…لكن التشابيه ظالمة والاستعارات ماكرة..كلنا نفهم ما نعنيه بقول ذلك..كنت سأختار الضبع رمزا..لكن المسكين – أعني الضبع – يكتفي بالفتات إلا أن يرسل إليه الحظ حمارا تائها.
الذئب جريء، لكن لا يعني أنه لا يخجل أبدا، ومن الظلم قول الشاعر:
وليسَ حياءُ الوجهِ في الذئبِ شيمةً ولكنها مِنْ شيمةِ الأسدِ الوردِ
لأن الذئب لو كان بلا خجل ولا حياء لأكل لحم أخيه..ونحن نفعل ذلك جهرة دون خجل، تأمل:
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضــاً عَيانا
إنها شهادة أخرى على براءة الذئب..فمتى نتفهمه وننصفه في أفكارنا وأشعرانا وأمثالنا…
حدثني أحدهم قصة في الجبل..كنا في قمته وقال لي:
“كان ذئب يمر هادئا وكنت أمكث له ولا يشعر..وحين اقترب ثم مر وأولاني ظهره..أطلقت عليه رصاصة…التفت إلي بحزن ونظر بعمق..فقلت له: “أجل..أنا قتلتك”…
صدقا فزعت للقصة وتمزق قلبي..أي حقد وتشف وغدر..لا أعتقد أحد الذئاب إن قرأ أو سمع بهذه القصة سيسامحنا يوما..ولا أظن أحدهم فعل ذلك بنا..الذئاب لا تغدر..لماذا باعتقادك تعوي..لتُعلمَ بموعد الهجوم ..لكننا لا نفهم لغتها..ومن حسن حظنا نحن البشر..أن الذئب لا يقرأ..أو كان أعلن علينا الحرب .. لأجل قصة كهذه!!
دمشق
18/12/2009 07:47 م