3 دقائق للقراءة
**المديح الأول: زمن أنيق:
من بين كل الأزمنة..تفرد زمننا بملامحه وضحكته..
بأملاكه أيضا..وعدد ضحاياه..
لكنه مصاب بداء التسارع..لذلك تشتبك خطواته كأغصان شجرة طفيلية وهو يحث الخطى نحو النهاية…
زمننا هذا زمن جميل جدا..وأنيق جدا…وحذق أيضا..
لا تستغربوا…
فجماله نجاح مبهر لعمليات التجميل والتلفيق ومعاهدات السقام..
وأناقته ثوب عار من أي قيمة..
مع بعض القماش الذي يزيد العري إغراء وتشويقا..
بإمكان خبير الأزياء إضافة جلد جائع من إفريقيا وفرو نمر من تايلاند…
أما حذقه..ففي قتل كل معنى جميل وكل حقيقة..
خاصة على قنوات المجاري الفضائية…
وهو متفهم إلى أبعد الحدود..
والويل كل الويل لمن خالفه…
العهر…وكيله ومموله وصديقه ومدير أعماله..
الناشطون كثير…كثير جدا..
وهو أمر ممتع في الحقيقة…
لأن كل طواغيت التاريخ انسحبوا وعلى وجوههم حمرة الخجل من هول مشهد واحد..
هل علي أن أستسلم إذا..وأغدو أيضا أنيقا حذقا..؟؟؟
بصراحة..تعجبني بشاعة جراحي..
وأعشق دمي على خناجره..
**المديح الثاني: زمن بريء
نَعيبُ زَمــــــــانَنا وَالعَيبُ فيـــنــــا
وَمــــا لِزَمـــــــانِنا عَيبٌ سِوانـا
وَنَهجو ذا الزَمـــــــــانِ بِغَيرــِ ذَنبٍ
وَلَو نَطَقَ الزَمــــــانُ لَنا هَجـــانا
لماذا، رغم حكمة الإمام الشافعي ونصحه لنا، لازلنا نحن البشر الراقون جدا والمتحضرون حد التلف، لماذا لازلنا نعيب زماننا وننسى أن العيب فينا ومنا وأننا من يؤثث الزمان ويفرض عليه اللون والكنه والرائحة!
فالزمن نسيج وقتي لا علاقة له مطلقا بتصرف البشر – تظنني حقا أصدّق ذلك!!- وهو بريء منا ومن أكلنا لبعضنا على طاولات من التآخي الدموي.
الزمن..لماذا كل من مر بأزمة أو مرت به أيام صعبة يصفعه!!
لماذا كل من خانه حبيبه أو نأى عنه إلفه يرميه بخنجر من العتاب واللوم؟؟…
أتعلم..منذ أول الأزمنة كان البشري يفعل ذلك..حين تضعن المحبوبة..حين يموت شخص مقرّب..وحين..وحين..الملوم والوحيد..هو السيد “زمن”.
هل انتهى عقلي من خطبته…حسنا..يصر قلبي على قول كلمتين:
آهِ يا زمن العجائب والغرائب والتعبْ…
أوّاه يا زمنا يفرقني عن الأحباب دوما
ويرميني بالسنة اللهبْ
هلا عذرت قتيل شوق
هل حزنت لمن أحبْ
قد ضاع فيك وضعت عنه وتاه لا يدري السببْ
**المديح الثالث: زمن جميل
يبدو أنه لا شفاء لنا من اتهامك أيها الزمن المحترم..
قلوبنا تعاتبك على كل جرح وكل فراق..
نؤمن أن الأقدار ليست بيدك..وأنك محكوم بها..وبإمكان أي طفل أن يفهم أنك أيام وأشهر وسويعات…وربما في عقلي فهم أشد تعمقا لتفاصيلك الكمية والنوعية وأزمنتك الذرية والكونية والجيولوجية…صدقني..بإمكاني تفهمك وأعذر غضبك منا نحن البشر…لكن!!!
لن نتوقف عن لومك..ربما لأنك تنظر إلينا نسير معك وفيك ثم نرتحل عنك تباعا إلى المجهول الذي لم يمنحنا إيماننا بوجود أزمنة أكثر امتداد وصفاء في برازخ أخرى وأن الأبدية حق..كل ذلك لم يمنحنا في الأغلب شعورا بالرضا عنك ولم يجعلنا نألف المجهول الذي نمضي إليه كلنا حين نعبر ضفاف الحياة عبر زوارق الموت السريعة إلى حيث تعلم الروح يقينا وتهلع العقول التي يعتصرها جهل فظيع…
هل تسامحنا… أيها الزمن الجميل؟؟؟…
سامح كل واحد منا على حدة..فلكل واحد منا زمنه..لأن كل واحد منا سيعشقك حين تكون ماض..وسيخشاك حين تغدو مستقبلا..وسيحس بثقلك حين تكون الراهن والحاضر..ربما يعاتبك عن مرورك السريع حين يكون في حضن حبيب طال انتظاره..أو يغلظ لك الكلام حين تمر بطيئا في لحظات الانتظار وأيام الشوق المرة..وبين الزمن العشقي والزمن الشوقي نتبعثر كذرات صغيرة خرجت عن النظام…وقد كنت دائما أعلم قلبي مفاهيم لك: السنة العشقية بثانيتين..الثانية الشوقية بألف سنة…هكذا أراك..وليت الوحيد..تأمل العشاق عبر مداك الطويل تفهم…
اعذرنا أيها الزمن الجميل..ففي كل عين ستكون جميلا وتلك العين تنظر من خلف زجاج الكهولة إلى طفولة ندية وذكريات عطرة…وستكون جميلا ونحن يغمرنا الحنين الموجع لكل زمن مضى..نستذكر الزمن الخلي..أمجادنا الغابرة..أندلسا وولاّدة وقصورا ورياضا..خيَمًا وفرسانا وحورا..أشعارا وملاحم…فتوحات وبطولات..أو حتى كوخ فيه طفل كنّاه يوم..هل يمكن لك أيها الزمن أن تفهم ذلك..وأن ترى علاقتنا بالأمكنة التي تمثل أزمنة رائعة..ناقش الأمر مع المكان..وانظر لذاكرة مكانية وذاكرة زمانية في وحدة عجيبة داخل ذاكرة إنسان..
ربما يوما ما ستفهم ذلك…
دمشق
18/12/2009 05:59:36 م