3 دقائق للقراءة
ليس العلم بالله مطلبا إعجازيا ومقصدا تعجيزيا، فكل ما في الكون يحوي دروسا للعلم بالله، وفي ما في الذات، وفي كل وِجْهة وَجِهة ومكان، فتأمل قوله سبحانه: ” وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)”
فالله حقيقي قلبا وعقلا، فكل قلب لا يؤمن بذلك قلب معتلّ أو مريض، وكل عقل لا يصل إلى حقيقة ذلك عقل قاصر منقوص مهما علِم ومهما ظنّ انه يعلم.
العلم بالله مثبت جلي لأن آيات الله التي تخاطب الإنسان فيها قسم مشاهد واضح، والقسم الباطني يمكن تمثله تصوريا وربطه والوصول للعلم بالله من خلاله، وحجج الله كما سأبين في علم الحجة بينة وبراهينه ثابتة، ولكن لابد من قلب سليم وعقل متدبر ن ولابد كذلك حسب رأيي من أطر أنا على يقين أن تدبري الآن فيها والمسميات التي أطلقها عليها ما هو إلا جهد إنساني نسبي لما هو موجود في أهل الإيمان والعلماء بالله عبر الأزمنة وفق مسميات وفهوم أخرى نعرف منها ما نعرف ونجهل منها ما نجهل.
تنقسم الأطر المنهجية للعلم بالله وفق اعتقادي إلى فروع ثلاثة كبرى، هي الأطر المرحلية، الأطر العلمية، والأطر الاستقرائية.
1 الأطر المرحلية: قلنا أن العلم بالله مقام للإيمان وقمة من قممه، ولئن انفصل فهو موصول، في حين أن الإسلام لله مرحلة يقع الانتقال منها كليا حين يتم الإيمان فيتحد الإسلام لله مع الإيمان به ليكون تسليما كليا، ولعلنا نرى نموذجا هو هذا:
إذا فالمسلم باللسان مسلم بوجود إله، نطق الشهادتين فقال بلسانه “لا إله إلا الله..محمد رسول الله”، وكل ذلك بلسانه فقط، فهو مقول لفظي فيه اعتراف بألوهية الله ونبوة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وهو تسليم بالوجود بشكل عرضي، ظاهري خارجي فقط.
أما المؤمن بهو بالضرورة مسلم، ولكن ما نطق به لسانه قد آمن به قلبه، فهو في حال الإسلام بالقلب قد يرتد عنه وقد يكفر بعد ذلك أو ينافق، وهذا موجود بنص القرآن الكريم وهو في تاريخ الإسلام مدعم بشواهد كثيرة زمن النبي عليه الصلاة والسلام وبعده، والله سبحانه حين قال عن الأعراب آيته: ” قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (14)”
فهو يعلم حقيقتهم ويبينها مستثنيا معمما الحكم على الأغلبية منهم أهل الإيمان فقال سبحانه: ” الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)”
فالإيمان الحقيقي نقلة كلية بعد الإسلام اللساني لله إلى التسليم القلبي الفعلي الكلي الجوهري والإيمان الراسخ الثابت الذي لا رجوع عنه، لأن الإيمان إن كان مجرد قشر سطحي في القلب أمكن للنفاق والكفر الموغل في القلوب المريضة أن يخمد نوره لتطغى الظلمات فيه ومن ذلك قوله سبحانه: ” كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)”
ولذلك كان الحرص على التطبيق الفعلي للإيمان، وتفعيله بشكل متبصر، كي لا يكون التفعيل مجرد مظهر، لأن التفعيل الحقيقي إظهار للإيمان لا سجنه في مجرد مظهر لا غير.