2 دقائق للقراءة
ب* العلم الاستنباطي بالله: الاستنباط علم وأساس أرجع إليه ضمن علم الفقه، ولكن ما أعنيه بالعلم الاستنباطي بالله، هو مقصدي الأساس من بحثي كله ضمن العلم بالله، وهو ما يهم كل مؤمن، فليس هم المؤمن الكشوفات الربانية التي كم من مريد للتصوف أهلك نفسه بطلبها وادعائها، ولكن مشغله عليه أن يكون ما يمكن لعقله أن يستقرئه وأن يتدبره، متسلحا بكتاب الله، وبإيمانه القلبي الواثق، لينظر في الكون وفي ذاته حتى يظفر بعلم بالله يجعل عقله متيقنا وقلبه أشد يقينا.
إنه استقراء للكون والذات، للآفاق والأنفس، للخلق العام والخلق الخاص، واستنباط لأسس وقواعد وحقائق، مع ربط بين كل ذلك والله سبحانه، وهنا خطورة علم الربط الإيماني، ربط يوصل لفهم الربط الرباني، وكل ما سيكشفه الله بالرؤية العلمية للإنسان ضمن الآفاق والأنفس آيات ربانية موصلة للحق متى نضجت واكتملت وأقرت بالحق بعد معرفته، وهنا ارجع مجددا لقوله سبحانه: ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)”
هذا الاستنباط فيه الاستقراء المشهدي للمشاهد مما ذكرنا، سواء بالعين المجردة، أو بالمرقب والمرصد والمجهر، وهو تمكين من الله لحكمة قل من أدركها، وهنا دور المؤمنين أهل هذا الزمان في الاستنباط وإنارة الطريق وتقريب مفهوم العلم بالله عبر التطور العلمي وعبر الإمكانات العلمية الغير مسبوقة لدى الإنسان على الأقل وفق ما نعلم، والذي يحاول جامدي العقول نفيه ونسفه.
وفيه أيضا (الاستنباط) التصوري وهو باب تعقلي منطقي لما لا يمكن رؤيته بكل وسائل المشاهدة المذكورة، وعليه يكون عالم المعنى وعالم الغيب والكثير مما في كتاب الله ومما يخص الله سبحانه ولكن التمثل المنطقي حين يربط بين المشاهد بالبصر والمشاهد بالبصيرة يرسم للعقل مجالا أرحب للعلم بالله سبحانه.
هذا الربط بين المرئي واللامرئي، ضمن تفكر إيماني وتدبر عقلي واستقراء واستنباط تجده في آيات كثيرة من القرآن الكريم، كقوله سبحانه: ” الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)”
فذلك مقام الخاصة من أهل الإيمان الذاكرين لله والمؤمنين به، وفي القرآن آيات كثيرة مبيِّنة موضِّحة مؤطِّرة منها قوله تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)”
وإن التدبر العقلي المشهدي المؤمن في كل شيء يوصل حتما عبر الربط اللبيب والتدبر الفطن إلى علم بالله يمنح العلم بكل صنوفه نفحة وروحا وروعة وبهجة ونفعا وخير وفضلا عظيما، فلعلك واجد في هاتين الآيتين من سورة فاطر التين سأرجع إليهما في أطر أخرى ما يحرك فيك خلايا عقلك وكوامن روحك وأشواق قلبك لتمضي في العلم بالله ولتعلم من هم العلماء الحقيقيون الذين يخشون ربهم حق خشيته لأنهم عرفوه وتيقنوا منه وعلموا مما علمهم عنه ضمن ما رأوه واستنبطوه من خلقه، فهذا ختام هذا العلم، فأقرأ وتدبر: ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)”