موسوعة البرهان، الجزء الأول (22): علم الأسس (1) “كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّة”

3 دقائق للقراءة

ضمن سفرنا في البرهان وتأملاتنا في العلم والقرآن، لابد من نظرة مختصرة لرؤيتي لأسس الملك الإلهي وفق اعتقادي واستنباطي وتأملي لكتاب الله، والحقيقة أن تدبري لهذه الأسس سابق لتأليف البرهان بسنوات طويلة، بل أجزم أنها بدايات تدبري لكتاب الله التي تطورت لتصل إلى هذا المصنّف، وإن العلم بالله في نظري سيزداد رسوخا عبر فهم هذه الأسس، كما أن علم الربط محوري جدا، وهي إن شئت مصفوفة عمودية فيها ترتيب لأسس موجودة ولكني نسقتها وفق رؤيتي لها وليس الترتيب تفاضلا ولكنه تناسق ضمن دوائر متعامدة، وهو استنباط يستحق النظر العميق والمحاورة الرصينة ككل ما في الكتاب، ويمكن البناء عليه والتوسع فيه أكثر من هذا.
والأسس حسب اعتقادي نظم بنى الله عليها ملكه، وهي مبينة لنظمه الكونية الغيبية والمشاهدة وأسرار صنعه: “صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴿88﴾”
والخير فيها، والشر في انعدامها، وهو بوتقات تحوي في داخلها علوما كثيرة، كسنابل سبع في كل سنبلة ما شاء الله، وهذه الأسس هي: العلم، الحكمة، الحق، القوة، العدل، الرحمة، والحسبان، وهي دوائر معرفية تتسع انطلاقا من الأولى ضمن التنسيق التالي:

*العلم ثابت، الحكمة مثبتة، الحق ركيزة، القوة ضمان، العدل قانون، الرحمة فضل، والحسبان تنظيم دقيق.
طبيعي أننا نتكلم في الثبات العلمي للعلم الإلهي، لأن العلم الممنوح للبشر ليس ثابتا من يُبث تطوره المستمر ومن حيث أن الإنسان مهما علم فهو لم يعلم إلا القليل، وكذلك حين يقع القياس على العلوم المادية فهي تبنى على أنقاض بعضها وليست ثابتة، وكل هذا غير العلم الإلهي وما تعلق به من علوم لدنية ومن علوم راسخة.
أما ثبوت الحكمة الإلهية فأمر جلي لكل مؤمن ومتدبر وعالم بالله، وليس الأمر مجال جدل إلا لمن كان في عقله خلل أو في قلبه مرض.
والحق هنا مجال إلهي أيضا، تنضوي ضمنه حقائق لا تبديل لها ولا نسبية فيها وهي الحقائق الإلهية المطلقة.
أما القوة فهي ميدان الجبروت الإلهي الذي لا يقهر، قوة قاهرة حكيمة متينة دائمة غالبة.
والرحمة نور الله اللطيف المتخلل في كل شيء، وهي بوابة نعمه وصبره ورأفته وإقليد خيره ومقلاد فضله.
أما الحسبان فموازين ومواقيت وحسابات وإحصاء وإحاطة لا يعزب فيها شيء عن رب كل شيء.

فوجود هذه الأسس مجتمعة لازم، ونقصان أحدها يحدث خللا في الملكوت الإلهي، تعالى الله عن ذلك، وإنك حين تتأمل الأسس تجد منطقا في كل ما بينت لك، ورغم أن كل أساس موجود سلفا ولكم من تبيان عنه وبيان فيه، فإن هذا الترتيب وهذا الفهم استنباط جديد، ضمن ربط منطقي مبتكر، وأما التعريف المختزل للأسس وفق هذا الاستنباط فهو الآتي:

*العلم: هو النظام الذي يقوم عليه خلق الله جل جلاله.

*الحكمة: هي سرّ النظام، ركيزة العلم، وهي الأسباب الخفية والمعاني الباطنية، وهي أيضا البصيرة النافذة.

*الحق: هو ركيزة النظام، فملكوت الله سبحانه يقوم على الحق ويرتكز عليه، فهو دعامة للحكمة ومبرر الوجود كله.

*القوة: هي حافظ النظام، فالله يحكم في كل ما خلق حكم قوي مقتدر، فالحق من دون قوة مستضعف مسلوب والقوة تحفظ نظم الخلق، وهي قوة موجودة في الكون متمظهرة بشكل مستمر يثبت قوة الله، وبالقوة أمر صفوته، أن يكونوا أقوياء في أخذ الحق من قبضة الباطل.

*العدل: هو أساس النظام، فقوة بلا عدل تزول سريعا، لذلك فالله أقام ملكه وأسسه على العدل، وعدله شامل كامل.
فالعدل ركيزة ثابتة منذ خلق الله السماوات والأرض إلى أبد الآبدين.

*الرحمة إطار النظام، فكل شيء يندرج في إطار رحمة الله التي وسعت كل شيء، فهي رحمة متخللة محيطة لطيفة.

*الحسبان: هو تقدير النظام ،حساباته التي لا تخطيء وأعداد كل شيء، أقداره، مواقيته، ظاهره و باطنه ، مشاهده وغيبيّه ، وهو أساس معقد متشعب لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى .

هذه هي الأسس السبعة لملكوت الله كما أراها وكما استنبطتها، وليس هنالك تفاضل بل تكامل، وهي دوائر ضمن دوائر أشسعها دائرة الحسبان، وسوف أبين باختصار كل أساس بشكل مفرد مع الآيات الداعمة في انتظار توسع أكبر لأن هذا العلم يستحق كتابا مفردا، وهكذا حالي أمام كل علم من علوم هذا الكتاب.

مقالات ذات صلة

في شهود البيت العتيق
وأنت بجوار الكعبة المشرفة، تشهد المشهد العظيم، ترى بعينك الطائفين، وترى بقلبك الأولين، وتنظر بروحك إلى وجوه النبيين، من آدم الأول، بعد أن تاب...
3 دقائق للقراءة
عن الحق والباطل
كل فضيلة تقع بين رذيلتين.الكرم بين البخل والتبذير.والشجاعة بين الجبن والتهور.وكل حق يقع بين باطلين: باطل يحجبه، وباطل يسعى لتزييفه. هكذا حدثتني الروح، وهكذا...
< 1 دقيقة للقراءة
في مقام الوالدين
عظم الله قدر الأم، وأبان عن عظيم شرفها في كتابه، وأوصى الإنسان بوالديه ووصّاه ببرهما، فقال عز من قائل: ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ﴾ [العنكبوت...
2 دقائق للقراءة
وظيفة الاستغفار
وظيفة الاستغفارمن الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية العلية.مع صدق الرجاء وإخلاص النية في الدعاء، والتوجه القلبي الكلي إلى الله، والتوسل بمن للوسيلة ارتضاه.لها بفضل...
2 دقائق للقراءة
في حكمة القبض والبسط
في حكمة القبض والبسط والفناء والبقاء ومما يثير الدهشة في الحياة، قدرتها على التلون والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وهي في ذلك تأخذ...
2 دقائق للقراءة
لقاء على بساط المحبة
على بساط المحبة والأنس بالله، كان لقائي بالشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية، وقد كان لقاء منفوحا بحب الله ورسوله، محاطا بسر أهل...
3 دقائق للقراءة
عن الطريقة الخضرية
قد يظن البعض ممن لم يطلع على الرسائل ، ولم يفهم المسائل، أن الطريقة الخضرية بدع من القول مما افترى على الأمس اليوم، وبدعة...
2 دقائق للقراءة
صم عاشوراء ولكن
كل عام أكتب عن عاشوراء، ويغضب الكثيرون.حسنا، لن أقول لك لا تصم يوم عاشوراء، لكن إن كنت ستصومه فلا تفعل ذلك ابتهاجا بنجاة موسى...
3 دقائق للقراءة
خطبة بين الروح والقلب
الحمد الله مبدي ما بدا، وهادي من هدى، الذي لم يخلق الخلق سدى.والصلاة والسلام على نبي الهدى، ونور المدى.من عز بربه فساد،  اتباعه رشَد...
< 1 دقيقة للقراءة
عن القرآن الكريم
ليس القرآن فقط مصحفا من ورق، عليه كلمات مطبوعة، تطال نسخه أيدي الآثمين.فيقرؤه قارؤهم والقرآن يلعنه، حتى يقتل خير الناس اغتيالا في المسجد وهو...
2 دقائق للقراءة