4 دقائق للقراءة
العلم تاج العقلاء، وبوابة الحكمة، وصراط الله لله، والعلم علوم وعوالم، حيث المد وحيث لا حد، نظام لله سبحانه العليم الحكيم، منه العلم منحا ونفحا، وأحيانا فتنة، وله العلم المطلق الكامل، فالعلم بلا منتهى، وفي القرآن الكريم براهين وأدلة، فالملائكة وعلمهم الذي علمهم الله إياه، لم يجدوا ما يقولون يوم سألهم عن علم الأسماء ودعاهم لينبئوه إلا أن قالوا: “سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾”
والعلم أول الأسس لمملكة الله سبحانه، وهو عليم بكل خباياها وخفاياها: ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)”
وهو سبحانه علام غيب السموات والأرض: ” قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)”
وهو سبحانه يعلم السر والنجوى وهو علام الغيوب: ” أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)”
وهو العليم بما كان وما هو كائن وما سيكون: ” إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ (47)”
والعلم مقامات، فأعظم العلم علم الله، وأحسن العلمِ العلمُ بالله، وأنفع العلم علم ما شرع الله، وأبقى العلم علم لا إله إلا الله، وأرسخ العلم ما كان من لدن الله، وأشرف العلم ما تلقى رسل الله، وتاج العلم ما عُلّم محمد بن عبد الله.
وإن ما علّم الله للخلق محاط بأطر، ومرتبط بشرط، مسبب لغاية، ومحدد بحدود، منسق بنظم، منضبط بميزان، وموصول بوصية.
فأما الإطار فهو أن لا علم يؤتاه مخلوق وخاصة بنو الإنسان إلا بمشيئة الله، وتلك المشيئة مشيئة حكمة، وبرهان ذلك قوله سبحانه ضمن أعظم آيات القرآن (آية الكرسي): ” وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ (255)”
وأما الشرط فهو تقوى الله التي بها يزكو العلم وييسر السبيل إليه وهي شرف العالم وتاج العامل وزكاة العابد وصلاح السالك وفضل أهل الفضل بينهم: “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)”
وأما الغاية فهي العلم بالله والعلم بجليل مقامه وعظيم علمه، ومطلق قدرته، ومقدّس صفاته: ” لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)”
وأما الحد فقلة ما أوتي هؤلاء وهؤلاء، فقليل ما يعلمه البشر مهما علِموا، وهو عام لكل الخلق خاص أكثر ببني آدم، إذ العلم غير محدود، دوائر في دواخلها دوائر، وكلما اخترقت كونا وجدت فوقه كونا آخر، ولذلك قال العليم الحكيم سبحانه: “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴿85﴾”
وأما التنسيق فهو أن العلم تراتب وتفاضل، فليس كل العالمِين على درجة من العلم واحدة، بل نسّق الله ونظّم منحه العلمية بينهم ضمن مقامات ودرجات لحكمة وغاية هو أعلم بها : ” نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)”
وليس أقل من أن تعلم أن من حِكم ذلك نسف للغرور بالعلم لأنه أهلك أمما وفتن الكثيرين، فذلك شأن إبليس الذي ظن أنه أعلم بحكمة الله حين افتتن بعلمه أن النار خير من الطين، فعصى ربه ولم يكن من الساجدين، فرجمه الله وكان من المبلسين: ” قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)”
وكذلك قارون الذي غره من العلم ما فتنه، ومن المال ما سلبه يقينه وأفقر قلبه وروحه فأهلكه، وذلك حال المجرمين: ” قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)”
وأما الميزان فهو أن أهل العلم ليسو كسواهم من الناس، بل هم قانتون لله لما علموه عن الله: ” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)”
فأهل العلم مقربون من ربهم، يخشونه حقا لأنهم عرفوه حقا، وعلموا عنه وبه إيمانا وصدقا، وتيقنا ورسوخا ونظرا مُحقا: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)”
فهم أهل الله وخاصته، وهو المخلصون له المفضلون عنده، منهم الرسول والنبي، ومنهم المخلَص والولي، ومنهم مما علِم الله سبحانه وفضّل عنده، كذلك العبد الصالح الذي يسمى خضرا، ولشرف ما علمه الله كان من قاصديه للعلم كليم الله ونبيه: ” فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)”
ولنا في ذلك سفر ضمن علم السيمياء…
وأما الوصية فهي من الله لنبيه ومن ثَمّ لكل طالب للعلم وسالك في سبله، وهي عدم الاكتفاء من العلم مطلقا، والبحث دوما عن زيادة خير منه وإضافة خير فيه، فذلك شأن من كان أول أمر من الله له وأول كلمة تلقاها من ربه هي كلمة “اقرأ” وأول آية نزلت عليه هي: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)”
والرحمن سبحانه لم يورد فعل الأمر بالاستزادة إلا في سياق واحد: “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴿114﴾”
فتلك وصية الرحمن لنبيه في سورة طه سيد الأنبياء، ثم وصيته لكل أهل محبته من العلماء، لأنك كلما استزدت علما وأنت على بصيرة وهدى وإيمان، كلما ازددت من ربك قربا وللحقيقة فهما، وللبشرية نفعا.
هذا مختزل ما أحببت أن أقوله عن العلم كما أراه وكما أدركه وكما استقرأته في القرآن العظيم، فهو أساس أول ونظام محكم وعالم متكامل…..