2 دقائق للقراءة
فالإيمان بالله رأس الحكمة، وشكر الله عين الحكمة، والحكمة مواعظ مختزلة فيها عصارة دروس الحياة، وخلاصة رقائق الفكر ودقائق الحجج، وفي سورة لقمان بيان لحكم عظيمة، ومواعظ خالدة، كما في وصايا سورة الإسراء، وفي كل القرآن ذكر حكيم يذكر الإنسان بقواعد الحكمة ومعانيها وروابطها بالعقيدة والعبادات والأخلاق… وبكل شيء راق: ” ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)”
وإن مقتضيات الحكمة الإلهية في تدبير شؤون ملكه وأمور عباده قد تتناقض ظاهريا مع ما يعتقده الإنسان بقصور عقله حكمة، فذلك من حِكم الباطن الغالبة لحِكم الظاهر، وفيه مجال للتسليم لحكمة الله والحياة ميدان إثبات لذلك وكذلك التاريخ، فمن ذلك قوله سبحانه في آية سأذكرها في الكلام عن القوة أيضا: “وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)”
والحكمة فيها علم عظيم، علم الحكمة، وأحد تيجانه علم السيمياء وفق تصوري له كما سأبينه، وحين كان اللقاء بين أحد كبار علماء الحكمة الربانية، ونبي لله كليم، كانت الغلبة للحكمة اللدنية على حكمة الشرع الظاهر فذلك فصل بين حكمة الظاهر وحكمة الباطن، مما يحتاج تأويلا وما يصعب الصبر عليه من قبل العقل بظاهر أحكامه ولا يمكن فهمه إلا من قبل من آتاه الله سره أو بعد تأويله والقياس ممتد جدا ولكن جوهره في سورة الكهف وقصة موسى والخضر: “قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)”
ولسوف أرجع تفصيلا ضمن علم السيمياء وتأملاتي في حقيقة معناه ومحتوى القصة القرآنية العظيمة.
وإن الله سبحانه بنى ملكه على الحكمة، وبناه بحكمة وإحكام عظيم، لا عبث فيه ولا لهو، ولا إفراط ولا تفريط، ولا نقصان ولا فطور: “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)”
وهو في حكمه حكيم، فلا أحكم منه، وهو خبير عليم، فحكمته عن علم كامل، وخبرة كلية، فهو جل وعلا أحكم الحاكمين، فكفى بذلك حجة على المكذبين بالدين: ” فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)”
وهو سبحانه بنى كتابه على حكمة ونسّق آياته على حكمة فأحكم البنيان والبيان، وحكّم المنطق والحجة والبرهان: ” الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)”
وإن المتأمل في الكون كتاب الله المخلوق، وفي القرآن كتاب الله المحفوظ، لواجد من الحكمة ما يغنيه، ومن الحكَم ما يكفيه، فلابد من قلب سليم وعقل متيقظ، ويظل المسعى خلف الحكمة دائما، ونداء الرغبة فيها قائما، فعلى المؤمن أن يسعى للحكمة ويرغب فيها ويتوق إليها، لا يحده في ذلك زمان، ولا يمنعه دون ذلك مكان، لتكون نبراس حياته علما وعملا، لأنها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها”