2 دقائق للقراءة
للحق معان، أولها كونه نقيض للباطل، وثانيها اليقين، وثالثها النصيب من الشيء، ولكن أعلا معانيه أنه اسم للحق سبحانه، وهنا في نظري الرسوخ على بينة، والثبات على حجة، عكس الباطل الذي هو زيغ وضلال، وخسران متلف وضياع مفسد، فالله سبحانه هو الحق، وقوله الحق، خلق السماوات والأرض بالحق: ” وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)”
وأرسل نبيه بالحق: ” إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)”
وأنزل القرآن بالحق وأنزل فيه الحق لأهل الحق ليكون حكم حق ومنهاج حقيقة: ” إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)”
فنصر بالحق أهل الحق وقذف بالحق على الباطل فدمغه وأزهقه: “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ (18)”
ذلك أن أهل الباطل لا يستسيغون الحق ولو أيقنوا به، وأن حقائق البعث والحياة بعد الموت رجّت باطلهم وصدمت بطلانهم فكذبوها بُطْلا وجحدوا بها بُطولا وكفروا بها بطلانا، فجاء الله بالحق ليزهق الباطل وأهله: ” وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)”
فله إحقاق الحق وله الولاية الحق: ” هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)”
وإليه المنتهى حقا والرجعى حقيقة في موعد حق لا مهرب عنه ولا حياد منه: “وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)”
ولقاؤه حق ووعده حق: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)”
فهو سبحانه الحق ولا يقول إلا الحق ولا يعد إلا بالحق: ” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)”
ونبيه عليه الصلاة والسلام جاء بالحق فلا مرية ولا كذب، بل هو الصدق المكتمل وهي الحقيقة الكاملة والاكتمال الحقيقي لمسيرة أهل الحق من أنبياء الله ورسله ومن كان معهم: ” بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)”
فالحق أساس جوهري للملك الرباني، وهو حق مبني على العلم والحكمة، وهو حق بان للقوة والعدل والرحمة والحسبان، فالأسس تتفاعل فيما بينها، والحق ختاما ركيزة ربانية راسخة، فكل شيء مرتكز على الحق، فالخير كله حق، والكون مبني على الحق وبالحق، والله سبحانه هو الحق ومحق الحق وناصر الحق وأهل الحق وراد كل حق إلى من له حق، فتلك أحكام حكمته وعدله ورحمته في الدنيا، فإن أفرط الظلم فلا تفريط في محكمة الآخرة…