موسوعة البرهان، الجزء الأول (27): علم الأسس (6) القوة (1) “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ “

3 دقائق للقراءة

القوة حافظ النظام، فهي لله مطلقة، وهي للخلق بنسب، حين نتكلم عن القوة لدى بني الإنسان، فهي ضمن حكم القوة الإلهية، حافظ للنظام، لأن الأسس الربانية لها أوجهها البشرية المستقاة بالضرورة من أسس مملكة الله، وهو سياق طويل لعلنا نلامسه في علم الاجتماع ضمن تطبيقات الأسس الإلهية، وفيما يخص القوة كحافظ للنظام، ضمن البعد البشري، فإننا نعني القوة المرتبطة بالحق التي تأخذ من الله وتعمل تحت إمرته وفي سبيله، فلا قوة حقا إلا حين يكون معها الحق، فتتكامل معه وتنبني عليه، تحميه وتحتمي به، مركزة على الحكمة منظمة بالعلم، فتلك قوة تستمد قوتها وشرعيتها من قوة الله، وتلك قوة أهل الإيمان والحق واليقين، وذلك عهد من رضي الله عنهم لمن صلى الله عليه وبيعتهم له ويد الله فوق أيديهم: ” إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10)”
والله سبحانه قوي عزيز، بنى ملكه وأسسه على القوة مع الحق وما ذكرنا من أسس، فالقوة وفق رؤيتي لعلم الأسس هي الأساس الرابع، فلا خير فيها من غير حق، ولا قدرة للحق بذاته إن لم تسنده قوة، وهنا كلام في المجال الإنساني، لأن النظام الرباني محكم قديم.
حين يؤتي الله نبيا أو رسولا حكمة وعلما، لابد أن يؤهله بالقوة، كي يمنحه الحكم وكي يلقنه العلم والحكمة، فانظر قوله عن نبيه موسى في سورة القصص: ” وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)”
وكذلك قوله عن يوسف قبل ذلك: ” وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)”
فالآية ذاتها، لأن القانون ذاته، والمقتضى ذاته، ولكن القوة تختلف، فلكل منهما قوة خاصة، فأما موسى فكان قوي الجسد، فأمده الله بما يحتاج قوة الجسد من آيات أولها العصا، لتدمير فرعون مصر وإغراقه وآله، وأما يوسف فكان قوي المنطق والتأويل، تأهيلا لملك مصر، وإنقاذ أهلها، فانظر عظمة القرآن وروعة الحكمة الإلهية، فذانك صنفان من القوة المادية والمعنوية، لكلّ حكمة ولكلّ حكم، والقوة أصناف كثيرة ضمن ذلك التقسيم فمنها القوى الظاهرية المتمظهرة ماديا والمحتاجة لمقومات المادة، ومنها الباطنية المحتاجة لمقومات الباطن وعوالم الروح، فمن ذلك قوة الإيمان، ومنه قوة الروح و قوة البصيرة، ومنه قوة الحجة وقوة البيان، فالقوة منظومة محكمة العناصر، لها آليات ونظم، ولها تمظهرات ودلائل، فقوة الله يراها الإنسان في الطبيعة من حوله، فتلك قوة ظاهرة غالبة، ويلمسها في قوة المنطق القرآني وقوة البراهين، فتلك من قمم القوة المعنوية المنطقية، ويشعر بها في قوة الإيمان وقوة “الله أكبر” حين تقال بلقب نقي تقي شجاع، وفي قوة الروح وقوة الإرادة وقوة العزيمة، وقوة الصبر، فتلك سمة أهل العزم من الرسل: ” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (35)”
فالصبر قوة، وأية قوة، والإيمان بالله يمنح القوة، والقوة بالله تمنح الطمأنينة بالله، فذكر الله يقوي القلب ويمنحه سكينة وأمنا وطمأنينة عظيمة، فذلك باب بين الرحمة والقوة عظيم: ” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)”
وذلك نور للقوة الإلهية ينتقل من قلة إلى أمة ومن أمة إلى بناء حضارة متى توفر فعليا.
وكل القوى بالحق فيها خير، وفي توحيدها والتنسيق بينها بحكمة وعلم فضل عظيم وقيمة جوهرية، فذلك مختصر ما أمر الله به نبيه يحي حين أعطاه الكتاب: “يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)”
لأن يحيى لم يُمهَل حتى يبلغ أشده ويستوي كمثل موسى ويوسف عليهم السلام، بل أوتي الحكم وجواهر الحكمة وعلوم الكتاب صبيا، فكان لابد من منحه كل أنواع القوة بإعجاز رباني لتمكينه من أخذ الكتاب واستيعابه وتفعيل أسراره والعمل به وبها، ولا أدعي علم ماهية الكتاب هنا، وهو تمش آخر لله له فيه حكمة علمها، رغم أنك واجد موسى يأخذ الكتاب بقوة أيضا، لكن بعد إعداد طويل شاق وبشكل مباشر يحتاج من قوة الجسد والروح ما لا يخطر ببال بشري إذ هو كليم لله ومنه أخذ ألواحا كتبها الله فهل تعي الجلال والعظمة والقوة والمهابة: “وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)”

مقالات ذات صلة

في شهود البيت العتيق
وأنت بجوار الكعبة المشرفة، تشهد المشهد العظيم، ترى بعينك الطائفين، وترى بقلبك الأولين، وتنظر بروحك إلى وجوه النبيين، من آدم الأول، بعد أن تاب...
3 دقائق للقراءة
عن الحق والباطل
كل فضيلة تقع بين رذيلتين.الكرم بين البخل والتبذير.والشجاعة بين الجبن والتهور.وكل حق يقع بين باطلين: باطل يحجبه، وباطل يسعى لتزييفه. هكذا حدثتني الروح، وهكذا...
< 1 دقيقة للقراءة
في مقام الوالدين
عظم الله قدر الأم، وأبان عن عظيم شرفها في كتابه، وأوصى الإنسان بوالديه ووصّاه ببرهما، فقال عز من قائل: ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ﴾ [العنكبوت...
2 دقائق للقراءة
وظيفة الاستغفار
وظيفة الاستغفارمن الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية العلية.مع صدق الرجاء وإخلاص النية في الدعاء، والتوجه القلبي الكلي إلى الله، والتوسل بمن للوسيلة ارتضاه.لها بفضل...
2 دقائق للقراءة
في حكمة القبض والبسط
في حكمة القبض والبسط والفناء والبقاء ومما يثير الدهشة في الحياة، قدرتها على التلون والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وهي في ذلك تأخذ...
2 دقائق للقراءة
لقاء على بساط المحبة
على بساط المحبة والأنس بالله، كان لقائي بالشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية، وقد كان لقاء منفوحا بحب الله ورسوله، محاطا بسر أهل...
3 دقائق للقراءة
عن الطريقة الخضرية
قد يظن البعض ممن لم يطلع على الرسائل ، ولم يفهم المسائل، أن الطريقة الخضرية بدع من القول مما افترى على الأمس اليوم، وبدعة...
2 دقائق للقراءة
صم عاشوراء ولكن
كل عام أكتب عن عاشوراء، ويغضب الكثيرون.حسنا، لن أقول لك لا تصم يوم عاشوراء، لكن إن كنت ستصومه فلا تفعل ذلك ابتهاجا بنجاة موسى...
3 دقائق للقراءة
خطبة بين الروح والقلب
الحمد الله مبدي ما بدا، وهادي من هدى، الذي لم يخلق الخلق سدى.والصلاة والسلام على نبي الهدى، ونور المدى.من عز بربه فساد،  اتباعه رشَد...
< 1 دقيقة للقراءة
عن القرآن الكريم
ليس القرآن فقط مصحفا من ورق، عليه كلمات مطبوعة، تطال نسخه أيدي الآثمين.فيقرؤه قارؤهم والقرآن يلعنه، حتى يقتل خير الناس اغتيالا في المسجد وهو...
2 دقائق للقراءة