3 دقائق للقراءة
والقوة الربانية قاهرة مهيمنة على أعداء الله، مخضعة لهم حينا: ” وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)”
ومهلكة لهم أحيانا: “وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)”
فذلك الألم جزاء الظالمين، من عزيز قوي متين، وتلك الشدة في الحق حق يقين، وما ذلك إلا بعض من انتقام الجبار سبحانه من أعداء الله وأعداء الدين، فلا أحد يتحدى الأحد إلا ويغلبه الأحد، والتحدي منازعة الغلبة، ولا قوة لها أن تتحدى قوته، أو تخرج عن سلطانه، فالله لا كفأ له، فذلك من معاني الصمد، وذلكم مما في سورة الإخلاص العظيمة جاها عند الله ومكانة في القرآن، وسرا عن جليل الشأن ولدى أهل الحقيقة والعرفان: “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)”
والصمد في اعتقادي القوي القاهر، والغالب الذي لا يغالب، والمتفرّد في أحكام ملكه، وموازين حكمه، ومقاليد مملكته، وفي لسان العرب (السَّيِّدُ المُطاع الذي لا يُقْضى دونه أَمر، وقيل: الذي يُصْمَدُ إِليه في الحوائج أَي يُقْصَدُ) وفي كل ذلك حق وخير.
القوة حافظ النظام، فهي كذلك عند الخالق، وهي كذلك عند الخلق، وكل ذي قوة استخدمها لحفظ نظام له، وهنا تتسرب أوهام القوة التي تخدع ضعاف القلوب ومرضى الأنفس، فيحافظون على ما يرونه نظاما بإفساد نظم الحق وتزييف أوجه الحقيقة ونشر الفوضى والخراب، فوهم القوة مهلك فعلا، رغم أن ذلك الوهم حين يقاس بالعتاد والسلاح والجنود والمال كمكونات للقوة الحربية أو لعسكرية والاقتصادية وقوة الملك والسلطان، فإن ذلك الوهم حينها يتحول إلى غرور فعلي لدى من سيطر عليه، فيظن أن لا غالب له، فذلك من تزيين الشيطان كذبا وبهتانا: ” وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)”
وحينها يستخدم أوهام قوته لتحدي القوة الحقيقية التي لا يسمح له وهمه وغروره برؤيتها، فيقول قول فرعون: ” أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24)”
ويمضي به وهم القوة فيطغى أكثر، ويجمع من حوله بطانة السوء وجند الباطل فيستكبر ويطغى متحديا جبار السماوات والأرض ويعميه ظنه أن لن يرد إلى شديد العقاب قهار الرقاب حتى يقول قول ذات الفرعون ويعمل بعمله: ” وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)”
وتمضي به تلك الأوهام فتشتد وتستبد، فينظر من حوله فيرى قصوره وأمواله وحراسه، فيعميه شيطانه فيقول مستكبرا وينادي مغترا نداء ذلك الهالك: “وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)”
ثم يستحوذ عليه الوهم من كل جانب ويسخطه الله بغضبه فيعمي بصيرته ويختم على قلبه وسمعه وبصره، فيعلو في الأرض بغير الحق ويفسد فيها، ويسرف في الفساد بلا اعتبار ولا رشاد، فيكون كفرعون أكثر الطواغيت ذكرا في القرآن: “إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)”
فذلك شأن كل طاغية من ولد آدم إلى قيام الساعة، ولكن حين يبطش به ذو القوة المتين، يصحو من أوهامه، ويدرك ضعف قوته، وقلة حيلته، وكلال بصيرته، ونقصان عقله، فيصرخ ضعيفا مهانا، ويدّعي خضوعا وإيمانا، لكن هيهات هيهات، لات حين مناص وألف لات: حتى إذا أدركه الغرق..
ففرعون نموذج لوهم القوة، نموذج كان الأكثر ذكرا ضمن قصة النبي الأكثر ذكرا في كتاب الله موسى عليه السلام، فتلك فتنة القوة التي كم أهلك الله بها من القرى ومن الطغاة ذكر من ذلك في القرآن نماذج تشمل كل صنوف الطغاة في تاريخ البشرية منذ أول طاغية إلى آخر رمق في حياة البشر على هذا الكوكب، فتجد حين تقرأ القرآن من قصص ثمود وعاد، وأهل مدين وقوم لوط، وقوم نوح من قبل، وتجد الله يبين جبروت قوته انتقاما لاستكبارهم بغيهم بغير الحق في سورة من القرآن عظيمة وآيات لها من القوة ما تقشعر له أبدان من يعلمون رهبة وخشوعا: ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)”