10 دقائق للقراءة
الحمد لله الذي علم الإنسان أجود العلم وأجمله..وأرقى الأدب وأكمله..وأرق الكلام وأفضله.. وأعذب البيان وأجزله…
والصلاة والسلام على نبي الهدى، ونور المدى، المبعوث بالحق والخير واليقين، وعلى صحبه المجتبين وآله الطاهرين ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
العلم نور الله، والله نور السماوات والأرض، والعلم ما بين السموات والأرض نظم وقوانين، وما فوقهما إحاطة ربانية وسر إلهي تفرد به يلتمس منه مخلوقوه قليلا قليلا…وهو سبحانه يعلّم من يشاء ويهدي بالعلم من يشاء ويفتن به من يشاء.
والعلم الذي مكن الله للإنسان نظم وفنون، لم تُجعل في الأصل إلا للرقي بهذا الإنسان ومنحه قدرة أكبر على فهم ذاته والتفاعل مع الحياة والكون وفعل الأفضل والأحسن، وكل ذلك لم يجعل إلا طريقا إلى الله ومنهاجا إلى الإيمان به وصراطا للاستقامة والتقوى، وهو تاج العلماء الحقيقيين، العلماء الربانيين، الذين شرفهم الله سبحانه بهذه الآية العظيمة: ” شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)”
والذين ذكر الله عز وجل سيماهم وسمتهم وخشيتهم له في آية عظيمة: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28)”
والقرآن كتاب الله، كتاب نزله على عبده ليكون هاديا للناس ورحمة للعالمين بشيرا ونذيرا: ” تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)”
كتاب عظيم، فيه من القصص أحسنه، ومن العلم أجلّه، وفي من كل مثل وموعظة، وفيه هدي وتشريع…فهو كتاب يهدي للتي هي أحسن وأقوم ويبشر بالخير والأجر الكبير المؤمنين بالله والعاملين الصالحات الفاعلين للخير:” إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)”
كتاب للعبر والمواعظ عبر أحسن القصص: ” نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ (3)”
كتاب للتأمل والتفكر، فيه تصريفات وضروب لكل مثل لعل الإنسان يتذكر ويعتبر: “وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)”
” وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)”
فهو كتاب فيه منطق وحجج وأدلة وبراهين، ونظم وقوانين، يحتاج تفكرا وتدبرا، ولقد دعا الله لتدبر القرآن: ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)”
لكن السؤال هنا بين ضفتي العلم والقرآن: هل هذا التدبر عام أم خاص؟؟
أي هل كل قارئ للقرآن عليه أن يتدبره، وهب أنه فعل وكان ذا عقل راجح وفهم جيد وذوق حسن، ثم استلهم واستنبط وكتب، فماذا نقول له وماذا نقول عنه؟؟
طبيعي أن كل قارئ لديه لب وقلب وإيمان عليه أن يتدبر القرآن، إلا من ختم الله على قلبه:” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)”
ولكن ما يخص التأمل والاستنباط العلمي، فستكون الإجابة عند بعضهم اليوم هي الآتية: “إن كان من السلف الصالح فيؤخذ منه”. وإن كان من أهل هذا الزمان، فهل أجرم!!
إن الملاحظ لدى بعضهم أنهم يريدون الرجوع بالزمان قهرا أو توهما إلى الخلف، في المظهر، وفي الأسلوب، وفي المنطق العام، رافضين هذا الزمن وأهله، مكفرين أكثر الناس، وناظرين بازدراء للأجيال الجديدة، لا يعجبهم بحث باحث، ولا تدبر متدبر، بل الأمر إتباع أعمى وتقليد مريض، مازجين الغث بالسمين، والصالح بالطالح، والعلماء الربانيين بأدعياء العلم، حاصرين كل شيء في فهمهم وفهم من يأخذون العلم منهم اجترارا بالوراثة، مجمدين العقول وحاجرين الفكر، فكأن قائلهم: “لا يحق لأحد بعد السلف أن يتأمل في كتاب الله أو يفسره أو يربطه بأي علم لم يربطه السابقون به!”
من أراد أن ينكر ما لسلف الأمة الصالح من فضل وخير فهو دعي كذاب، وشقي مرتاب، ومنبت تقطعت دونه الأسباب.
ومن أراد أيضا أن يلغي كل الأجيال ويبقي جيلا أو جيلين فقط، أو يحجر العلم في زمن دون سواه، ويجعل القرآن وعلومه حكرا على فئة من أهل الإيمان والفهم دون أخرى، فهو إما جاهل أحمق أو دجال فاسد أو عدو للأمة ودينها ولرقيها وتطورها وحياتها التاريخية الممتدة في الماضي والحاضر والمستقبل، فهو ببساطة يريد قتل الأمة وتجميد دينها في مظهر متوهَّم وشكل متجمِّد وقالب جامد، فيكون التركيز على الخلقة لا على الخلق، وخاصة في دعواهم عن إتباع النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ويكون التركيز على الأحكام لا على الإحكام..وهو مبحث أرجع اليه لاحقا، ويكون التركيز على الموت لا على الحياة، فتمتلئ الخطب كلاما عن عذاب القبر وعن ملاحم في الغيب أكثرها تهويم من إسرائيليات بائسة لا علاقة لها بالقرآن والسنة وكأنّ همَّ المؤمن أن يعيش الخوف من عقارب في القبر كالجمال لا أن يعي أن عقارب الزمن تحصي حياته وأن عليه أن يكون قمة في الذوق والجمال وفي القيم والخصال وفي القول والفعال وأن يحاول أن يكون الأفضل في كل مجال، وأن رسالته تعمير الأرض والرقي بالإنسان وفهم الكون بالعلم والإيمان لأن ذلك يحقق تعبده الحقيقي لله الذي من أجله خلقه، فذلك شأن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الأنبياء والرسل عليهم السلام وأتباعهم وتلاميذهم وأصحابه وآله وصالحي أتباعهم رضي الله عنهم.
كل من حصر علوم القرآن في فترة وقلة ولم يقبل سوى ذلك عدو للقرآن وروح القرآن، لأن القران العظيم مصلح لكل زمان ومكان، ولا أحب كلمة “صالح لكل زمان ومكان” وكأنه مرتهن بمدة صلاحية وخاضع لفاعلية الزمان والمكان وهو تنزّل من فوق كل ذلك، ولكنه فاعل في الزمان والمكان، كل زمان وكل مكان، وعلى كل أهل زمان ومكان تدبره والتفكر فيه وبه، آخذين بما سبق متأملين وفق ما مكنهم الله منه في ذلك الكتاب، فعلوم القرآن لا حد لها ولا حصر، بين النبي عليه الصلاة والسلام منها وفسر وشرح، وكتم الكثير مما علمه ربه وهو أمر معلوم بالوعي بمكانته عند الله وبكونه نبيه، وخص بعض أصحابه دون بعض بأسرار وعلوم، ثم بين أصحابه وآل بيته وأتباعهم ضمن سلالة طويلة من العلماء من تلك العلوم الكثير والكثير، ولكن أحدا من أهل العلم الرباني الحقيقيين لم يقل أنه أحاط بكل العلم أو حجره فيه أو في زمنه، لم يفعل ذلك النبي نفسه فكيف يفعله سواه، وهو الداعي بدعوة ربه إلى التأمل في كتاب الله والاغتنام منه فسماه مأدبة الله.
ولكي أوضح رؤيتي في هذا الشأن فإني سأبين مفهومين أساسيين في نظري في علوم القرآن، يضافان إلى علوم كثيرة أخرى فيها الغيبي وفيها المشاهد وفيها القديم والسرمدي والأبدي والمستقبلي وفيها عن البعث والجنة والنار وعن الجن والملائكة وغير ذلك:
*تم تأليف الموسوعة سنة 2006 واستمرت الإضافة والتعديلات إلى اليوم، وتم نشر الجزء الأول فقط.
*تخريج الآيات حسب الترتيب: آل عمران، فاطر، الفرقان، الإسراء، يوسف، الكهف، الزمر النساء، محمد، الشمس، فصلت، الفتح، إبراهيم، الرعد