2 دقائق للقراءة
وإن هذه التضاربات والصراعات بين أنماط القوة تقدير إلهي حكيم، حيث أن حكمته سبحانه اقتضت أن تكون الحياة الأرضية الدنيوية مجال حرب ذات أبعاد كثيرة، من العالم إلى نفس الإنسان، بين قوة الخير الفعلية وقوة الشر والوهمية، ولكن قوة الخير كثيرا ما كانت ضمن المعنى وبواطن القلب والروح، وقوة الشر غالبا ما كانت مادية باطشة غاشمة، ولكل قوة جنود يقاتلون في سبيلها، فأما قوة الحق فهي في سبيل الله، وأما قوة الباطل فهي الطاغوت وهي في سبيله، فتلك من حرب أولياء الله مع أولياء الشيطان : ” الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)”
ولعلك حين تنظر في القرآن، وتتدبر تاريخ بني الإنسان، ترى كيف أن الله سبحانه وهو القوي المقتدر امتحن بالقوة، بين مستضعف وضعيف، ومتجبر وطاغ، وطائفة مؤمنة تقاتل في سبيل الله بما منحها من قوة، فيمدهم حينا بقوة جنوده وملائكته: مم الملائكة مقرنين..ويصبر أحيانا حتى إذا جاء أمره وفار التنور: ” حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (40)”
أصدر أمره قضاء، وأظهر قوته عيانا، نصرة لكل مؤمن ونكالا بكل مستكبر ومتجبر..إذ قوة الطغيان غرور واغترار، وتجبر واستكبار، ووهم أنها أشد قوة من الجبار، كشأن عاد حين استكبروا، فيكون رد الجبار قويا ينسف أوهامهم ويسفّه أحلامهم ويمحق آثارهم محقا: “فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)”
فتلك أيام الله في أرض الله، وتلك آيات قوته القاهرة، وذلك مصير أوهام المستكبرين من بني الإنسان، يظنون أنهم الأقوى، لكن قوة الله الجبارة أشد والله أقوى وأكبر، فذلك درس عظيم للتدبر والنظر لاستشعار عظمة الله ومتانة قوته وشدة سطوته وأن لا شيء يعجزه: “أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)”
فذلك لأهل لنهى عبرة، ولأولي الألباب موعظة، ويظل الظالمون الذين استضعفوا خلق الله وجحدوا بالحق واتخذوا من دون الله آلهة توهما وهوى، في غمرة أوهامهم، حتى يأتي أمر الله فيصعقون من هول ما يرون ويتعلمون أقوى دروس القوة وأعظمها: “وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)”
فذلك قدر الله الذي قل من عرفه، وقليل من فهم آياته وبراهينه، إذا كثيرون هم المتوهون لقوة فتنوا بها وتوهموا أنها بلا حد ولا ضد، ولكن لله في ملكه يوم يجلي قوته ويبين قدره الفعلي لكل من خلق علمه من علم من قبل، أو جهل من جهل، فذلك وعد حق وذلك يوم مشهود: ” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)”