2 دقائق للقراءة
العدل القسط..والاستقامة على المنهج..وهو حكمة في تقييم الأمور والنظر في القضايا، وهو ضد الظلم ونقيض الجور ومضاد للتعدي…والله سبحانه العادل الذي لا يظلم أحدا: “وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)”
جعل العدل أساسا لملكه وأُسّا لحكمه وتأسيسا لحكمته…فالحكمة تأسست على العدل في النظر أي الاستقامة في منهجه، والحكم الرباني حكم عادل، ومملكة الله مملكة عدل، ولئن بان لابن آدم في مظالم الدنيا جور كبير، فلأن الحي يرى جانبا من الحقيقة ولا يعرف ما خلف حجاب الزمن وما في محكمة الآخرة، حيث تفصل كل قضية ويقطع في كل مسألة وينظر في كل أمر: ” إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)” …
وحيث يحاكم المكلّفون بما كسبوا وتجزى كل نفس بما تسعى: “إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)”
ضمن رؤيتي في علم الأسس، فالعدل هو الأساس الخامس بعد العلم والحكمة والحق والقوة، لأن القوة حين تفرط دون عدل تكون بطشا وتجبرا: ” وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)”
ولأن القوة بالعدل تلامس الحق وتتحد بالحكمة..وهي بالظلم تزيغ وتهلك صاحبها في النهاية…وقد سبق البيان ضمن القوة فانظر…
العدل هو أساس النظام، وهنا كلمة العلامة ابن خلدون في كتابه التأسيسي لعلم الاجتماع (المقدمة): “العدل أساس العمران”…فتلك قاعدة جوهرية كل من زاغ عنها ولم يعمل بها حاكما أو محكوما كان مصيره الخزي في الدنيا والخزي في الآخرة…
وإن من العدل تجنب الظلم، وإن أكبر الظلم الشرك بالله…فذلك مما كان في وصايا لقمان الحكيم لابنه: ” وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)”
ومن العدل القسط مع النفس بتجنب السيئات وإتباع سبل الخير والإيمان بالعلي القدير وعدم معارضة أمره أو تحدي قدرته فذلك ظلم للنفس شديد:”وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)”
والرب جل وعلى أمر بالعدل: ” قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)”
وفي الآية عبر عظيمة ودروس رائعة تربط العدل بالأخلاق وصدق العبادة والإخلاص والدعوة وهي دروس لو مضيت خلف أنوارها ومعانيها لكان فيها سَفرٌ قائم ولكان منها سِفْرٌ قيّم.
والله سبحانه رغب في العدل وأمر به وفرضه، ودعا المؤمنين إليه في كل أحكامهم ومعاملاتهم وأقوالهم وأفعالهم: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)”
وليس أدل على عظمة العدل وقيمته من أن يتسمى الله به فهو سبحانه الحكم العدل فارتبط العدل بالحكم لأنه أساس له…وهو عادل لا يظلم مطلقا مهما كان مقدار الظلم صغيرا فمن ذلك قوله سبحانه: ” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)”
موازين القسط هي موازين العدل، فالظلم منتف كليا فلا تظلم نفس شيئا، وما جاز يوم القيامة فهو جائز دائما في عدل الله وحكمه فلا تبديل لكلماته ولكن التجلي يوم القيامة أظهر والمحكمة أشمل، وحبة الخردل دليل على انتفاء الظلم كليا مهما كان جزئيا، وعلى عظمة العدل الإلهي، ودقة الحكم والحساب، وللآية معان في الحسبان نعيدها في إطاره.