3 دقائق للقراءة
وضمن قيمة العدل القانون الإلهي والتشريع الرباني والأحكام الفقهية وخاصة ضمن فقه المعاملات، والشهادة بالقسط هامة جدا لأنها شهادة الزور وقول الدور أساس للفوضى والظلم وفقدان المصداقية، فلذلك أمر الله بالكتبة العدول وهم الأمناء (والله علمهم ونبيه كيف يكونون أمناء ومعنى الأمانة فكان من أسيادهم أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه أمين رسول الله) وأمر أن تكتب المعاملات والعهود والعقود والديون سواها من قبل هؤلاء العدول:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا 282)”
وهو ما له مجاله ضمن فقهه الخاص (وفي المدونة الإسلامية تفصيل دقيق لذلك) وفيه روعة التشريع القرآني وما تأسست عليه الحضارة الإسلامية وانبنت عليه دساتير بعد ذلك ضمن التأثر بالثقافة الإسلامية والأندلسية خاصة للجانب الأوروبي وما كان من نتاجه، وإن أنكر بعض البشر وزاغ بعضهم الآخر عن المنهج فإن تشريعات القرآن هي المؤسس الفعلي لما شهده العالم كله من تطور فيما بعد وهو ما لا يلغي دور الجهد الإنساني والعمل الحضاري، ولا دور بقية الأنبياء عليهم السلام ووجود تشريع إلهي سابق في التوراة والإنجيل والصحف الإبراهيمية والزبر وبقية الكتب السماوية التي لا نعرفها، وهو ما حرفه وضاعوا بنو إسرائيل فزيفوا وبدلوا لما يناسب أهواءهم ويتناسب مع مطامعهم ومصالحهم، وكذلك فعل من سار في مسارهم ودار في فلكهم ومدارهم، كما لا يمنع ذلك من الاعتراف بدور الحضارات القديمة ودور حمورابي كأول من سن دستورا وفق المعلوم من التاريخ ..وغير هذا ذو شجون كثيرة وهو باب كبير..
وإنه لمن المحال أن أذكر العدل دون ذكر العادلين، ومحال أن يذكر العادلون دون ذكر العدل المحمدي العظيم ونماذجه الكثيرة جدا والتي تجسد عدله وسمو خلقه وعظمة ما آتاه الله من حكمة، ثم ما كان لأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم من حب للعدل فتلك نماذج من المدرسة المحمدية ونخبة من أهل العدل بقيت موعظة عظيمة للتاريخ كقصة الإمام علي كرم الله وجهه حين سرق له يهودي درعه وهو إذاك خليفة الرسول وأمير المؤمنين، فاشتكاه إلى قاضيه شريح ( شريح بن الحارث بن قيس بن جهم الكندي المحدث والشاعر وقاضي الكوفة لستين سنة ولاه عمر القضاء وقال عنه الإمام علي “هو أقضى العرب” عمر كثيرا) فقال القاضي هل من بينة، فقال لا بينة عندي، أو قال لدي الحسن والحسين يشهدان فقال شهادة الإبن لا تجوز، المهم حكم شريح بالدرع لليهودي بعد أن سأله فقال الدرع درعي وهي عندي، وخرج اليهودي يسأل بينه وبين نفسه عن هذا العدل ثم رجع فقال: “أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه..أقسم أنها لأخلاق أنبياء، وأن هذا الدين على حق، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والدرع درعك يا أمين المؤمنين أخذته من بعيرك الأورق”، فقال له الإمام علي: “أما وقد أسلمت، فالدرع لك”، ففي ذلك درس وعبرة ومنهج لأهل الدعوة لله وللمسلمين كافة أن الإسلام ليس صورة وقالبا بل جوهرا ومعاملة، وأن عدل المسلمين ونبلهم وأخلاقهم هي السبيل الأسلم والأنجع لإعطاء النموذج للعالم ولهدي الناس لهذا الدين…وهو من عبر التاريخ وتطبيقاته لدى المسلمين في كل مكان كانوا فيه كثيرة جدا ضمن العدل والقسط في الحكم والتجارة وسواها، وهي نماذج لا يقلل من قيمته كثرة البغاة والطغاة والظلمة في التاريخ الإسلامي..والكلام يطول…