3 دقائق للقراءة
ولرحمة الله سبحانه آثار خفية يمكن استشعارهما وهو اللطف المتخلل، وآثار جلية يمكن معاينتها ومشاهدتها والإحساس بها، ويمكن لكل إنسان رؤية ذلك جليا واضحا في ذاته ومن حوله فتأمل قوله سبحانه: “فَانْظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)”
دعوة للنظر والفهم والتأمل والتدبر، في رحمة لها آثار في حياة الأرض وإحيائها بعد موتها وجفافها وهمودها، فذلك من شواهد الرحمة الظاهرة، ولها شواهد أكثر لا يمكن الحصر ولكن يمكن التيقن، فكأن كل ذلك بصمة تدل على وجود خالق رحيم لكل ما تراه العين ويشاهده الإنسان، ليكون بذلك دليلا على إمكان إحياء الميت من بني الإنسان ما دام الموت واحدا والإحياء واحدا، والمحيي المميت واحدا وهو قدير على كل شيء…
ولقد امتزجت الرحمة بالرأفة فكانت للعباد يسرا ونعمة ومجالا لكل خير من لدن رءوف لطيف رحيم: “فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)”
رأفة ورحمة مدّت للرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام، فمنحه الله من جلال الاسم ومعناه وحقيقة سره فضلا بينه حين قال: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)”
فهي الرأفة والرحمة تتجلى في نبي الرحمة بأمر الرءوف الرحيم سبحانه، وهي رأفة ورحمة تجلت في ما أنزل الله الرحيم على عبد له بالمؤمنين رءوف رحيم، ليخرجهم من ظلمات الجاهلية والجهل والشرك إلى نور الرحمة والإيمان واليقين والعلم والحكمة: “هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)”
رأفة ورحمة يُسرت للمؤمنين ويسّر الله لهم بها فزكاهم ونجاهم من الشيطان ونزغه وفتنته، فانظر آيات من سورة النور تبين عظمة الرأفة والرحمة الربانية وتعطي تعاليما قيمة على حكمة وبصيرة وهدى من رءوف رحيم: “وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)”
وفي السورة مواعظ ودروس رحمانية على المؤمن التفكر فيها والعمل بها وتطبيقها ليكون من أهل الرحمة.
وهي رحمة مودعة في أمة الإسلام والإيمان أنارت أرجاء الكون علما وخلقا وجسدها رجال لله علموا الناس معنى ان تكون الأمة وسطا فلا غلو ولا تفريط، فذلك من سر الرحمان المودع في صالحي أمة محمد ضمن تمش وبناء وموعظة وبيان تجده في هذه الآية وهي من أعظم الآيات القرآنية: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)”
وإن الشرح ليطول كثيرا والأطر تتعدد فهذه الآية تحمل علما ونورا وهديا وتبيانا…لكن ما يهم سياقنا أن ذلك من رأفة ورحمة الله مع حكمة عظيمة وحقيقة تؤلم من تدبر معناها في مثل هذا الزمان وتؤلم من تدبر المعنى مع علم بالتاريخ ومآسيه وما فعله أعداء الله ورسوله والدين والأمة بالدين وأهله وبالناس، فليس أوجع على القلب حين يرى كل ذلك من هذه الآية: ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110)”
فذلك دليل على أنها أمة رحمة، وكذلك ينبغي أن تكون، وذلك مما يسأل الإنسان ربه الرحمة به والرحمة فيه والرأفة بمن لم يجد قدرة على بلوغه جماعيا مع صدق الرغبة، وليس في الأمر في يقيني ما يبرر سجن الزمن تقهقرا وإيقاف التاريخ رجعيا ورفض الواقع بقسوة وجلافة، كما لا يمنع كل ذلك من وجود صفوة تجسد هذه الآية بشكل مستمر إلى آخر الزمان ومنتهاه رغم كل مآسي التاريخ وقصور التطبيقات وكثرة الظالمين والمتقاعسين والمجانبين للحق.
الرأفة والرحمة الربانية مع كل ما بيننا من خصوصيتها ونورانيتها وسرها، هي أبيضا عامة للناس – إلا من استثنى الله- مباشرة تسخيرية كونية وجودية، مشاهدة ملموسة يمكن لكل ذي لب تبينها وعليه حقها من شكر لله وعرفان وخضوع وعبادة: ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)”