3 دقائق للقراءة
للحسَب في اللغة معان كثيرة، منها الشرف الثابت في الآباء أو في الفعل، والمال، والدين، والفَعال مثل الجود والشجاعة وحسن الخلق، ومنها العدد وقدْر الشيء، فمن ذلك الحسْب (يعني أيضا الاكتفاء أما الإحساب فهو الإكفاء) والحساب (أو الحسابة أي عد الشيء كما في لسان العرب)، وهو ما يعنينا ضمن الحسبان، فالحسبان هو الحساب، وهو على قول آخر جمع للحساب وكذلك أحسبة، وفي نظري الحسبان جمع الجمع للحساب، أي هو جمع الأحسبة، فالحسبان حسابات كثيرة وأحسبة عديدة.
الله سبحانه وتعالى هو الحسيب، أي الكافي، وفي اعتقادي أن الحسيب هو الذي يحصي ويقدّر دون تفريط أو تفويت، فالحسيب وفق رؤيتي هو صاحب الحسبان، وفي لسان العرب: {وحُسْبانُكَ على اللّه أَي حِسابُكَ. قال: على اللّه حُسْباني، إِذا النَّفْسُ أَشْرَفَتْ * على طَمَعٍ، أَو خافَ شيئاً ضَمِيرُها}. وحين ننظر للحسبان أبعد من حساب النفس والآيات الواردة بهذا المعنى كثيرة، نجد الكون كله والوجود بأكمله، وأمكن لنا التبصر بحقيقة الحسبان وفق ما أراه من معناه، إذ للحسبان حسب فهمي له أطر كثيرة أخرى، وهو في اعتقادي الأساس السابع والأخير وفق رؤيتي لأسس الملك الإلهي.
للربط بما سبق، فإن الحسبان في إطار الرحمة مقياس وشرط وضابط، فرحمة الله ليست جزافا، فلها شروط كما بينا أولها تقوى في قلب المؤمن..وهذا الحسبان ذكرت لك منه في الرحمة مع بعض من الآيات المبينة له، وهو في اعتقادي مختزل في هاتين الآيتين من سورتي الأعراف والعنكبوت: “قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)”
“وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)”
فتدبّر تفهم، وانظر ترى وتعلم….
ذُكر الحسبان لفظا في القرآن في مواضع ثلاثة، أولها قوله سبحانه في سورة الأنعام: “فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)”
وهنا منازل الشمس والقمر كما سلف الفهم، وهي تقديرات ربانية ضمنها مسائل كثيرة أقربها الزمن وتأثيراته.
ثم قوله سبحانه في سورة الكهف:” فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)”
ضمن قصة فيها مواعظ وعبر، والحسبان من السماء عذاب مسلّط وورد في التفاسير أنه جمع حسبانة وهي المرامي أي ترمى بالعذاب رميا وتُقذف به، وليس لهذا علاقة بما نحن فيه من معنى الحسبان العام، وإن تعلق بتفصيل منه يندرج ضمن الحساب الإلهي.
ثم الآية الخامسة من سورة الرحمان التي منها استلهمت هذا الأساس: “الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)”
هنا جانب فلكي للحسبان، الحسبان يخرج بنا عن الإطار المتصل بالرحمة كضابط لها، إلى ما نرمي إليه من مفهوم الحسبان كأساس ملكوتي، أي إلى كل الحسابات في مملكة الله وفوقها من مقادير وسواها، فكل شيء محصى عند الله، فهو إحصاء كلي شامل دقيق، ضمن معنى الحسب أي عدد الشيء وقدره، فلك أن تحاول تمثل أوجه ذلك في الكون، في الأرض، في الذرات، والمجرات، ولن تصل بخيالك لصورة واضحة إذ أن المرئي قليل أمام اللامرئي، والمشاهد قليل أمام الغيبي، وكل ذلك وفوقه ضمن حسبان الله سبحانه، أمر يصعق العقل بتصوره..والله سبحانه يحصي على الناس كل شي ويكتبه بحسبان دقيق، فربط بين الأمرين والحسبانين، مع القدرة على إحياء الموتى وفي ذلك حسبان عظيم، في آية عظيمة من سورة عظيمة من القرآن الحكيم: “إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)”
إن تدبري في هذه الآية يبعث الرهبة في قلبي والحيرة في عقلي حيرة ذهول من عظمة الله ورهبة جلال لله، فسبحان الله وهذا أدعى للعلم بالله بعد الإيمان بالله وللتسليم لله وتقوى الله…