2 دقائق للقراءة
علم الأسس وفق ما بينت لك علم عظيم، تنضوي تحته وضمنه علوم كثيرة، فكل أساس يحمل بوتقة من العلوم، فالعلم يحتاج علما يدرس كنهه، وعلما يدرس نقيضه، فدراسة العلم وحقيقته ضرورة لبيان القيم العلمية والمفاهيم الحقيقية للعلم وجدواه، أما ما يدرس النقيض فهو علم يدرس الجهل، لأن الجهل مفهوم معقد أيضا، فهو ليس فقط الأمية، بل يصل حتى التوهمات العلمية، وصولا إلى جوهر كل جهل في نظري، وهو الجهل بالله، فكما أن تاج العلمِ العلمُ بالله، فإن أفظع الجهل الجهل بالله، وما اكثر الجاهلين.
ثم نجد علم الحكمة وما فيها من علوم تصل من المواعظ والحكم وعلم الأخلاق ثم علم الطب فالطب جوهره حكمة إلى علوم الروحانيات وفنون من الحكمة كثيرة، ثم علم الحق وما فيها من علوم الحقيقة والتوحيد والتشريع والقوانين وفلسفة الحق وما كان تحت لوائه من علوم كثيرة، فعلم القوة المندرج من المفهوم الفعلي للقوة ونظمها وأنواعها، إلى الفيزياء وعلوم الحرب والفنون الدفاعية إلى كل ما يخص القوة وهو كثير..فعلم العدل الذي يتقاطع مع الحق تشريعا وقانونا ويحتوي على مسائل وعلوم كثيرة أيضا تصل علم الاجتماع والاقتصاد وما خص العدالة الاجتماعية والاقتصادية فأمور من السياسة ونظم الحكم وغير ذلك.
ثم علم الرحمة وما فيه من تمفصلات وقضايا ومعارف وعلوم بين الرباني والقرآني والإنساني لعل علم الأدب أحد تمفصلات الرحمة فالأدب رحمة بالإنسان لأنه تخفيف ولطف وإبداع وارتقاء وسلاح في وجه الأحزان والمآسي، وأغصان الرحمة كثيرة جدا.
وفي الختام علوم الحسبان من رياضيات وفيزياء وفلك وكيمياء، هذا ما يمكن للعقل تسميته، وعلوم كثيرة ليس لنا تسميتها لأنها من الشأن الإلهي فما أقل ما نجهل وما أكثر ما لا نعلم، ولكن تأمل ما بينت عن كل أساس باختزال ومنطق وبيّنة وشواهد من القرآن العظيم، وسوف تجد فيما سيأتي بعضا من تفرعات الأسس العلمية ضمن مصفوفة مؤطّرة.
علم الأسس من أساسات كتاب البرهان، أقول لك، ككثير من العلوم في الكتاب، أني مبتكره ضمن التأليف والبحث، ومبتكر لذلك الترتيب ولمعنى كل أساس وهو ديدني في البرهان من ابتكار وتطوير، ولو قلت لك أنه إلهام رباني لعلم موجود وحقيقي، وأن الإنسان يصل إلى أحوال من الرقي يستشف من خلالها العلوم ويستلهمها، لكان في عقلك مجال للأخذ علي والطعن فيما كتبت، فليكن إذا عمل عقل إن شئت تدبره، وليكن عمل قلب إن شئت تذوقه، وهو على كل تأمل عقلي واستنباط وجهد إنساني، وهو فوق ذلك من نفحات هذا الكتاب العظيم الذي يفتح الله من خلاله على قلب من يشاء، وهذه المشيئة المطلقة لا تستثني زمنا ولا أحدا ممن شاء لهم الله من ذلك نصيبا قل أو كثُر.
بعد ما بينت لك، أمضي بك الآن في رحلة علمية شيقة مع أول علوم المعنى وهو علم الذوق..نفحة أخرى واستنباط وابتكار آخر، وضمنه نظر جديد في علم الجمال والأخلاق والنقد والحجة والفقه، لأمضي بعد ذلك في علوم أخرى كثيرة بين الظاهر والباطن وبين المعنى والتكوين حتى يكتمل “البرهان”، وتتضح الحجة والبرهان……