4 دقائق للقراءة
2الإطار: أعني بالإطار نظاما مشابها للمصفوفة، ولكنه مختلف عنها في أوجه، فالإطار هو المحدد للفهم والرؤية، وحين نغيره نغير الفهم والرؤية، وقد تجتمع أطر شتى في موضوع واحد، وقد يتغير الإطار ضمن الموضوع الواحد حسب العلم المؤطّر، وحسب الموضوع المؤطّر.
*مثال: وفق علم الجمال فالإسلام دين جمال، والقرآن قمة ذوق وجمال لغوي ومعنوي وأسلوبي، وفيه صور للجمال ودعوة لتأمله في الكون والذات والنهل منه وإظهار الأجمل والأفضل والأحسن، ولنا نماذج كثيرة مثل قوله سبحانه: “وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53)” ..فالتي هي أحسن جمال لفظي، والحسن قيمة جمالية وهنا جمال معنوي فهو جمال أخلاق ومعاملة، جمال معنوي…والتي هي أحسن تفتح مجالا في الذوق عامة والأدب والجمال خاصة.
ثم تجد الجمال الخارجي والمادي مثلا في قوله سبحانه”يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (31) ”
وهي دعوة للتزين في المساجد وخاصة يوم الجمعة وهذه الزينة جمال خارجي مادي، فالقرآن يدعو للجمال الخارجي والباطني قولا وفعلا….ولي عودة ضمن علم الجمال…
أما في إطار علم الأخلاق فالإسلام دين أخلاق، والقرآن كتاب في الأخلاق، كتاب في الهدى والقيم، والآية السابقة: “وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53)” آية للأخلاق أيضا، لأنها تعبير عن خلق راق، وتثبته، وتدعم نشره…
فانظر كيف أن الإطار حدد نظرتنا وأطّر فكرنا وتناولنا للدين وللقرآن.
ويمكن استخدام “الإطار” بشكل أكثر دقة وتحديدا ضمن موضوع موحد أو آية محددة، فالصلاة حين نضعها ضمن “الإطار” تسنى القول:
*في إطار علم الشرع فالصلاة فريضة على كل مسلم ومؤمن ضمن مواقيت وشروط ونظم:”فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)
*في إطار علم الأخلاق فالصلاة تصقل الخلق وتزكي النفس وتنهى عن السوء: “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)” .
*في إطار علم الجمال فالصلاة صبغة جمالية تؤثر في الإنسان فتجعله أكثر جمالا باطنيا وظاهريا، ماديا ومعنويا، لأنها تطهره وتصقله، وعليه أن يزكي ذلك الجمال لأنه سيقف بين يدي رب الجمال والكمال سبحانه، وهنا إطار الآية ” خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (31) ”
*في إطار علم الحركة (منه الرياضة) فالصلاة حركات منسقة منظمة لها دور تريضي للجسم والنفس وفوائد كثيرة يطول شرحها.
*في إطار علم الطاقة الحيوية فالصلاة منبع قوي للطاقة الحيوية تقويها وتزكيها وتنقيها، وعلم الطاقة الحيوية أكثر المجالات التي بحثت وأبحث فيها.
*في إطار علم الطب فالصلاة شفاء ولها أسرارها في ذلك مقترنة بأسرار القران العلاجية…وهكذا ضمن نسق منظم شاسع بينت منه في كتابي “كتاب الصلاة”.
ما بينت لك استخدام للإطار، وهنا يمكن عن طريق استخدام المصفوفة أن نستخدم الإطار لنثري الفهم ضمن ربط منطقي يجعل العلم أكثر عمقا والفهم أكثر إحاطة، ويمكن حينها أن نأتي بالمصفوفة ونضع ضمنها الموضوع أو الآية أو الجانب المعني ونبحث عن تطبيقات الإطار وعن مزيد من العمق والفهم:
مع ملاحظة وجود مصفوفة علمية ضمن ما ذكرت، فعلم الشرع مرتبط بعلم الأخلاق، وعلم الأخلاق مرتبط بعلم الجمال، وعلم الجمال مرتبط بعلم الحركة (الفنون الدفاعية مزيج بينهما والرياضة أساس جمالي…)، وعلم الحركة مرتبط بالطب، وعلم الطب مرتبط بعلم العلاج القرآني (وضمنه علم العلاج بالقرآن وهو نسبي ضمنه) وعلم العلاج القرآني مرتبط بالشرع، فما الشرع والقرآن إلا شفاء لما في الصدور في إطار قوله سبحانه: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)” وهو باب من العلم كبير جدا. وكل هذا مرتبط بالصلاة، وبتغيير حركة المصفوفة يمكن النظر لموضوع الإطار، لأن تطبيق الإطار يكون عموديا ضمن حركة العلوم في المصفوفة بشكل دائري.
“المصفوفة العلمية”، و”الإطار”، ضمن هذا الفهم لهما وهذه الرؤية، هما ابتكاران وجدتهما في عقلي أثناء تأملي، أو أوجدهما عقلي أثناء تأمله، أو ربما كان الأمر أكثر روحانية فيكون العلم كله ترق وتلق ونفحات من الله سبحانه لكل عقل مستنير وقلب سليم منها نصيب علم ذلك من علمه وغفل عنه من غفل.
ولسوف أطور فهمي لهما بشكل مستمر بعون الله، وهما مستخدمان في الكتاب، فالكتاب كله “مصفوفة علمية” مترابطة أولها بآخرها وآخرها بأولها،وسأشير إلى بعض ذلك الترابط وأبقي الآخر لك لتتأمله، وكل ذلك مرتبط بالقرآن الكريم، كما أن “الإطار” جوهري، ولذلك قد تجدني استخدم آية في إطار ثم أستخدمها في إطار آخر، دون تناقض مع الأول، ودون تناقض مع علم التفسير، والغاية الرقي بالفهم العلمي، واثبات البرهان، فالبرهنة أساس كتابي، ضمن منطق ذوقي ولغة راقية تنهل من القرآن العظيم، ولذلك لابد لك أن تعي هذه المسائل ليتيسر فهمك لما سيأتي، والله سبحانه من وراء القصد…
” إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)”