2 دقائق للقراءة
ضمن رحلتك في البرهان، وضمن تأملك في هذه التأملات، ستجدني استخدم علما متخللا وجوهريا، فمرة أصرح، ومرة يفهم بالسياق، وهو علم استخدمته منذ قليل في تفسيري لمفهومي المصفوفة والإطار وكنت أكرر “يرتبط” و”مرتبط” أكثر من مرة، وقلت أن العلوم كلها مرتبطة ببعضها، وأن هذا الكتاب فيه روابط علمية وارتباطات منطقية بين أوله وآخره، فعلم الربط مفهوم مبتكر لعلم أعتقد أنه جوهري في كل شيء، وأن العلم حين فقد علم الربط سقط في فخ التخصص الذي لا ننقد فيه إتقان اختصاص بعينه فهو أمر ضروري، ولكن ننقد فيه العلم بأمر مخصص والجهل بالباقي، وننقد الغرور الذي يجعل كل ذي علم لا يرى سواه، وننقد التقصير الذي يجعل الخبير في علم ما لا يمكنه ربطه بالعلوم الأخرى، ولا أعتقد أن ما ذكرته في المصفوفة أمر مطروق، ولا أظن عالما في الرياضيات مثلا يعي ارتباطها باللغة، إلا قلة ممن لا أعلم، ولكن قد أتصور وجودهم…
فالارتباط والترابط بين العلوم وفهمه أمر جوهري، فمأساة عصرنا أوهام الانفصال والتشظي، أمر ممتد من الحياة والمجتمعات الإنسانية ومحاولات تفرقتها، إلى الطائفية والمذهبية والتقسيمات الفكرية والتشظيات السياسية وغيرها، إلى العلوم وتخصصها، فهنالك تشظ بين الأدبي والعلمي، رغم أن العلم بلا أدب لا يساوي شيئا (أعني المثل العليا وروحية القيم)، وأن الأدب بلا علم منقوص ومحدود (حدث ولا حرج عن التشظي والفصل ضمن الأدبي نفسه وضمن الفرعي في الأدب فالشعر مثلا يعاني ذلك ضمن المعارك بين أنصار الشعر العمودي وأنصار قصيدة النثر وقليل من يفهم الترابط). وكذلك ارتباط الشرع بالذوق، والذوق بالشرع، فقد شاع التفريق بينهما حد التناحر، وهنا مجال المنفرين المتشددين المتحجرين الذين لا يرون في الدين جمالا ولا إبداعا ولا ذوقا بل مظهر بائس وفكر جامد وغرق في قصص العذاب وأهوال القبور، وكذلك جهلة المتصوفة الذين يجهلون ارتباطه بالفقه، ويسقطون في ترهات وتهويمات وخرافات بالية، وأدعياء الفقه الذين يحرّمون ويجرمون التصوف، في حين أن علماء التصوف الحقيقيون فقهاء، والفقهاء الربانيون متصوفة، ولك مثال في الشيخ أبو الحسن الشاذلي المتصوف الفقيه العالم، والعز بن عبد السلام الفقيه المتصوف الذي تعلم التصوف من الشيخ الشاذلي، فالفقه كشرع والتصوف كذوق مترابطان جدا وجوهريان ولازمان، ولي عودة في علمي الفقه والتصوف وسياقات أخرى.
“علم الربط” جوهري، رغم أني لا أرى وجود علم غير جوهري ضمن سفري التأملي هذا، والربط له معان، وحين ننظر في لسان العرب لابن منظور، أبو الفضل جمال الدين العالم والمؤرخ الإسلامي العربي التونسي المولود في قفصة في القرن السابع للهجرة، نجد الآتي:
“رَبَطَ الشيءَ يَرْبِطُه ويَرْبُطُه رَبْطاً، فهو مَرْبُوطٌ ورَبِيطٌ: شدَّه.
والرِّباطُ: ما رُبِطَ به، والجمع رُبُطٌ، وربَط الدابةَ يربِطُها ويربُطُها رَبْطاً وارْتَبَطَها.وفلان يرتَبِطُ كذا رأْساً من الدوابّ، ودابَّةٌ رَبِيطٌ: مَربوطة.
والمِرْبَطُ والمِرْبَطةُ: ما ربَطها به.والمَرْبِطُ والمَرْبَطُ: موضع رَبْطها”