2 دقائق للقراءة
الحمد لله الذي أظهر الحق جليّا، ورفع من شاء من عباده مكانا عليّا، وأرسل في الأميين رسولا ونبيّا، وكان له ناصرا نصيرا وواليا وليّا. الحمد لله الذي كان أمره محتوما ومختوما ووعدا مقضيّا. الحمد لله أحاط بكل شيء علما وما كان ربي نسيّا.
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله فردا وجمعا، وأجلاهم في الله بصيرة وأوعاهم سمعا، وأصدقهم خشوعا وخضوعا ودمعا.
وبعد: فإن العلم تاج العقول المستنيرة، والقلوب النيرة. ومنهاج العلم: منهاج يوصل إلى الله، فإن لم يفعل، فمتاهة فاتنة، وقوة مُطغية، وحجج للحقيقة لا تدل على الحقيقة بل يُستدل بها على الباطل. فكذلك فعل الشرّير بعقول بني الإنسان منذ أغوار الأزمنة، حتى يصير العلم الذي هو أساس النجاة، مسببا للهلاك حين يُغرقه مدعيه في أوحال الجهالة وأوهام الضلالة، فتكون القوة الناتجة عن التفوق العلمي قوة مدمرة للإنسان بيد الإنسان وسلاحا في قبضة الشيطان، ذلك العدو القديم لآدم، والذي يواصل انتقامه ضمن نُظرة الله له، وكل ذلك بقدر الله وإذنه تمحيصا لقوم وبلاء لأقوام وبيانا للحق وتبيانا للحقيقة ومداولة بين أيام الرخاء وأيام البلاء.
قد يظن ضعيف الإيمان أن الباطل أظهر وأن الشر أشهر، ولكن المؤمن الحق يوقن ويعلم أن كل ما عند الباطل وأهله ما هو إلا انعكاس يريد الله به أن يمضي حكمة الدنيا وحُكمها وأن يُنفِذ قانونها الذي أخبر به آدم وهو يهم بالخروج من الجنة مكسور الخاطر موجوع القلب دامع العين ومعه زوجه وأم حضارة من بنيه، وفي ركن قصي من العوالم نظرة تَشفٍّ من شيطان رجيم، فقال الحق جل وعلا: ” وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36)”
ثم في الآيات الموالية، وفي إطار قصة أبينا آدم وأمنا حواء وفتنة الشيطان، يقول ربنا جل في علاه:”قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)”