2 دقائق للقراءة
وبعد فهذه نفحة مباركة من كتابنا إشراقات، فيها أسرار وأنوار، وما شرحنا لها إلا من باب الاختزال والاختصار.
ومن ذاق عرف، ومن سلّم غَرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإشراقة السادسة عشر
الموصول بالموصول: موصول.
معرفة المفتوح عليه: فتح.
ويحتاج السر: سرا لفهمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح مفصّل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموصول بالموصول: موصول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا وصلت بالتيار ما احتاج للتيار لتكون له طاقة بواسطة صلة قادرة على الوصل بينهما، صار الموصول بالموصول موصولا.
وكذا من اتصل بأهل الوصل، فقد اتصل.
وهنا باب الوسيلة.
فالذين وصلهم الله من محض فضل الله، ووصلوا إلى الله بالله. لهم صِلات يجعل الله لمن عرفها اتصالا بهم.
فإن تم له ذلك فإنه دليل على أنه أصبح بهم موصولا. فتلك من حبال الله الموثوقة وعهوده الوثيقة ووسائله العظيمة وصلاته الكريمة.
ولا يهتدي إلى ذلك أعمى قلب ومحروم.
ولا يصل إلى فهم ذلك معاند أو موهوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معرفة المفتوح عليه: فتح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضمن ذات مقام مودة المفتوح عليه، ولكننا هنا ننظر في المعرفة العقلية بعد المودة القلبية. فمن حكم الله أن أخفى الكثير من أوليائه الذين فتح عليهم في خلقه. فمن عرفهم ودله الله عليهم وجعل في قلبه اليقين أنهم قوم فتح الله عليهم، فذلك فتح من الله وجلاء للبصير من الفتاح العليم.
لأن من فتح الله عليهم عرفوا الله بالله وعرفوا العلم من الله. فهم مفاتيح هدي الله وعلمه اللدني.
ويحتاج الأمر رحلة وبحثا لمعرفة أهل الفتوحات وأصحاب الفتوح.
فتلك كرحلة موسى المضنية وفتاه يوشع إلى مجمع البحرين بحثا عن صاحب العلم اللدني حتى لقيه فأخذ من علمه قليلا.
فسبحان الله إن احتاج موسى وهو كليم الله إلى البحث عن صاحب مفاتيح العلم اللدني من فضل ربه، فكيف بمن هم أدنى من نبي الله.
فهذا باب للعرفان والذوق الرفيع والفهم السليم.
لا يهتدي إليه إلا ذو حظ عظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحتاج السر: سرا لفهمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في رحلة موسى مع الخضر عليهما السلام، قام الخضر بأمور مخالفة لظاهر شرع موسى ولظاهر المنطق.
ولم يفهم موسى ذلك واعترض عليه.
لأن فعل الخضر كان له سر.
ولكن ذلك السر يحتاج الناظر إليه إلى سر من نوعه ليفهمه.
وكليم الله كان له من الله سر، فاحتاج سره لأهل سر يفقهون عليه.
فلم يفقه عليه أبناء عمومته وكفروا به واتخذوا العجل ربا من دون الله. لأنهم مسلوبون محجوبون. لا سر لهم لفهم الاسرار، ولا أعين في قلوبهم لرؤية الأنوار.
في حين آمنت معه قلة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد.
أما حين التقى الخضر فقد كان أمام سر آخر مغاير قال له الخضر من البداية أنه لن يطيق صبرا عليه لأنه يعلم أنه لا يملك السر الذي به يفهم السر الخضري.
فالسر الموسوي الشرعي احتاج قومه إلى سر من قبيله لفهمه.
فكفروا وهم يتلون التوراة ويرون الآيات لأن السر فيهم منطمس.
والسر الخضري اللدني احتاج موسى لسر من قبيله لفهمه.
فلما اعترض ولم يصبر كما قال له الخضر من البداية، أوّل له الأمر ففهم وسلّم.
وهكذا أسرار الصالحين على مراتب، ولكل سر سرٌّ، ولكل سر مفاتيح سر يُفهم بها.
ويسمى هذا بملاءمة الأسرار.
ويحتاج ذلك للأدب مع التسليم.