2 دقائق للقراءة
هل فقدت الذاكرة؟
لماذا لم تعد تكتب، وتحلل، وتهتف في وجوه المنافقين والظالمين والخونة، وتستصرخ الضمائر الحية، وتكوي الضمائر النائمة لعلها تستفيق؟؟
أم تراك جبنت وتراجعت عن الدرب الصعب، ومسّك من أذى الحاقدين وشتمهم وتآمرهم ما مزّق نسيج عزمك وفتّ من عضد يقينك.
وإن لك محبين لهم عليك حق النصيحة، وطالبي علم لهم عليك واجب المعرفة، وبلاد هي الأحق بك من كل أرض الله الواسعة.
لعلّ هذا حصل، ولكن ليس بتلك الصيغة:
*لم أخف لكن سئمت عفن الدروب التي لا تؤدي إلى شيء، دروب أولئك الأقزام الذين يجلسون على كراس أكبر منهم.
*لم أتراجع ولكن الوقوف على أنف الجبل والنظر بعيدا خلف الغيم يلهيك عن النظر إلى الحفر السحيقة التي يتردى فيها كل شيء من حولك.
*لم أفقد الذاكرة، ولا أنكر واجب العلم والمعرفة وحق المحبين، ولكن للروح صمتها الذي تفرضه أحيانا على الذات كلها، من وجع ربما، أو من قرف، أو استعدادا للجولة الجديدة وانتظارا لموجة المد الأشد ارتفاعا من كل ما سبقها.
*الظهور قاسم للظهور، إلا أن يكون بإذن، والخفاء له أحكامه وحكمته، وبين هذا وذاك على صاحب الرأي أن ينظر أمره مخلصا لله، فإن كان الأنفع والأجدى أن يظهر مأذونا مأمونا فليفعل، وإن كان الظهور فقط للبريق، فالخفاء به أولى، وفيه ما فيه من خير وتدبر وفكر واستعداد للظهور مجددا.
أجل خضت حرب المدفعية، وحرب البارجات، في الاعلام وفي الندوات والمنابر، صادعا بالحق ولو كره المرجفون، واضعا اصبع الحقيقة في عين كل أفاك أثيم، ولكن أحيانا تكون حرب الغواصات أجدى، ومن الأعماق يمكن رؤية أمور لا ننتبه إليها ونحن على السطح.
الأرض كلها وطني، أما بلادي التي أنا منها وهي مني، فقد قلت من قبل ما يتحقق اليوم حرفا بحرف، وذكّرت مرارا حتى تعب الكلام، ويحزنني أن تكون بين أيدي إخوة يوسف يلقونها في البئر، وأن أراها تتفكك كسفينة تحطمها قبضة عاصفة من غضب السماء، ولكن لله الأمر، ولعل لنا بصيص ضوء من مدد الأخفياء الأتقياء، أو هي موجة أخرى وصيحة لا أكثر، يبلس فيها المجرمون، وينجي الله الصالحين ومن تبعهم، ولو كانوا قلة.
سوسة
11/01/2019 10:10