4 دقائق للقراءة
كل مرة، وكلما ذكرنا كربلاء، او تكلمنا عن الإمام الحسين، وعن قتلته وإجرامهم، وعن ووجوب أن يتخذ المسلم موقفا من ذلك لأن النبي أمره بموالاة آل بيته وحبهم والتمسك بهم. والاحاديث كثيرة ثابتة متواترة.
كلما كان ذلك، جاء الرد سريعا: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
ولكنني أسأل: متى نامت كي نوقظها؟
الفتنة التي بدأت منذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبأشكال شتى تختفي حينا تحت أقنعة النفاق وتنجلي حينا (الإفك ضمن قصته الحقيقية، هرشة ومحاولة اغتيال النبي….)، ثم استعرت نارها وتأججت بعد قول النبي عن وصيه عليه: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. وتمظهرت في السقيفة وإن لم يسل فيها دم لكن الدم انفجر بعد ذلك ولم ينقطع إلى اليوم.
خسرت الأمة إمامها ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وبدأت الأمور في التغير مع حروب كثيرة فيها ما كان ردة وفيها ما كان موقفا من الذين بايعوا الإمام علي في غدير خم ولم يقبلوا بما جد في السقيفة، وكان قتل الصحابي الجليل مالك بن نويرة ظلما واغتصاب زوجته، وكان رجوع القوة والسلطة لبني أمية وإعدادهم للمراحل الموالية (تلقفوها كما قال أبو سفيان) ثم قتل خليفتين وما أعقب القتل الثاني من فتنة وحروب وخروج معاوية على الإمام علي ثم الخوارج وقتل سبعين ألف صحابي. وبعدها قتل الإمام علي ثم قتل ابنه الإمام الحسن بالسم وتقتيل أصحابه سيفا وسما (عمار بن ياسر ومالك الأشتر) ثم قتل الكثير من الصحابة (مثل حجر بن عدي الذين تم دفنه حيا). ثم تولية غلام باغ فاسد مشهود عليه بالفساد على حكم الأمة، توريثا وتمليكا بغير حق، وخروج الإمام الحسين يريد الإصلاح في أمة جده وتقتيله وأهله بشكل شنيع لا يمكن وصفه ويبين أن قاتليه ينقمون على أمور تعود إلى بدر وما قبلها.
وبعد ذلك جرائم بني أمية الكثيرة، ومن بينهما وقعة الحرة وما جد فيها من هول يشيب له الولدان ومن انتهاك لمدينة رسول الله وقتل للصحابة واغتصاب لبناتهم وبنات المسلمين، رغم كل ما أراد أنصارهم تزيينه من سيرتهم مثل أنهم نشروا الاسلام، وكأن نشر الإسلام يلغي قتل ابن بنت نبي الاسلام وقتل أحفاده وتببعهم بالقتل والتشريد.
ثم آل الأمر لبني العباس فكانوا على آل محمد أشد وأدهى، وتكفي وقعة فخ.
وكانت فترة من التآمر والفتن رغم ما كان فيها من أهل الله والعارفين والصالحين والمصلحين.
وضعفت الدولة وظهر السلاجقة والمماليك وكلها أيام فتن وويل وحروب وغلبة حاكم بالسيف على حاكم بلغ الحكم بالسيف قبل ذلك وصراع الدويلات في المغرب والمشرق وسقوط الأندلس وحروب صليبية سبقتها خيول جنكيز التي جلبها شاه خوارزم جلبا بسوس صنيعه مع حاكم المغول الذي قتله وانطلق حتى بلغ بغداد.
دولة العثمانيين لم تخل من فتن وحروب، ولا خلت الدول التي تحت حكمهم. ومن يقرأ تاريخ تونس على سبيل المثال سيهوله قدر الحروب والمؤامرات والفتن حتى أن بعض حكام تونس استنجد بالاسبان فعاثوا في البلاد وربطوا خيولهم في جامع الزينتونة (دون جوان الاستباني في القرن السادس عشر).
ثم لما وهنت الأمة وتداعت، دوت فيها مدافع نابليون، ثم جاء الغرب الصليبي مدججا بالحقد إلى عالم يعج بالفقر والجهل ليتقاسمه قطعا ويحوله إلى دويلات ضعيفة، وليستعمره كله، وليمنح فلسطين للصهاينة، وليمكث مستعمرا حتى بعد خروجه الظاهر واستقلال الدول التي لم ينجح فيها ثائر ولا حاكم وكل انتصار يعقبه طمي من الهزائم رغم أن بعضهم حاول وبشجاعة.
وبعد ذلك انفجر برجا التجارة، واتهم العراق وتم إسقاطه، ثم جاء الربيع العبري، وخرج ابن تيمية من كتب الفقه التكفيري ليتحول إلى تنظيمات إرهابية، وليتم تدمير دول عربية تدميرا كاملا أو شبه كامل، وليستشري المزيد من الفساد في كل المجالات…وانطلقت صفقة القرن وبدأ سقوط الأقنعة، وطلع كورونا في الناس خطيبا يامرهم بالخوف والابتعاد والموت لمن وقع في براثنه. ثم ذات غفلة تنفجر بيروت انفجارا شبيها بانفجار هيروشيما، والعالم العربي بل العالم كله يعيش لحظات ما قبل الكارثة الكبرى.
هل كل هذا حدث والفتنة نائمة ويُخشى من كلماتي أن توقظها؟؟
أم لأننا كلما ذكرنا الحسين وأباه ارتجفت قلوب الكارهين له السارقين للدين الذي افتده الحسين وال البيت بأرواحهم؟؟؟
ثم من الذي يوقظ الفتنة ويسهر على تجديدها وإذكائها، ويعمل في كل عصر وكل مكان على إشعال الفتن والحروب والتسبب في المآسي، وينشر التكفير والإرهاب والقتل: أليس أتباع يزيد ونواصبه؟
ومن الذي يؤجج نيران الأحقاد، ويستمر في التشفي في الحسين وخداع الأمة عبر وضع الأحاديث في فضل عاشوراء ووجوب الفرح والابتهاج فيه ونسبة ذلك إلى النبي وأنه قلّد فيه اليهود لأنهم يصومونه مع جلاء اختلاف المواقيت بين المسلمين واليهود وأنهم يحتفلون يوم نجاتهم من فرعون (عيد الفصح) ويصومون يوم ذكرى خطيئة العجل (الغفران).
ألا يخادع هؤلاء الأمة كلها فقط لتنسى أن ابن بنت نبي الأمة تم ذبحه وقتله مع إخوته وبنيه وأبناء أخيه وخلص أصحابه ذبحا وطعنا بأشنع الطرق؟
الفتنة مستيقظة لا تنام، ونحن نريد أن تنتهي، ونريد أن يسقط حكم يزيد الطاغية الذي يحكم إلى اليوم ويخشاه النواصب لأجل متاع الدنيا.
نحن نريد الحق، ونريد أن تعرف الأمة الحق، وأن تنصف نبيه الذي قُتل لما قُتل ابنه، ألم يقل الحسين مني وأنا من حسين.
فأين الأمة من حسين الذي منه رسول الله ووهو من رسول الله.
24-08-2020