5 دقائق للقراءة
يا ابن آدم: ليس الخالق بناسٍ من خلق، وإن نسي المخلوق خالقه أو نسي طاعة أمره، وقد نسي آدم من قبل.
يا ابن آدم: إن من خلقك ممتحنك فيما خلقك فيه، لأن ما خلقك فيه ليس ما خلقك له، فقد خلقك في ملكوته لأجله هو لا لأجل الملكوت. وجعلك في الدنيا لتعبده لا لتعبد الدنيا.
فافهم ترشد، فإن خير الفهم من فهم عن الله، وخير العلم من علم أن الله هو الله، وأن لا إله غيره ولا معبود سواه، ثم عمل بذلك حتى يلقى مولاه.
يا ابن آدم: إن لك في الدنيا يومان: يوم لا تملك فيه لنفسك شيئا، ويوم تملك فيه لنفسك أشياء، فكن ساعيا في أيام القدرة قبل العجز، وفي أيام الحياة قبل الموت، وفيما يرضي الله لا في معصيته.
يا ابن آدم: إنما هي أيام كلمح البصر، وترى الناس من الأجداث إلى ربهم ينسلون، وقبل ذلك برزخ، وبعد ذلك حساب، فجنة صدق خبرها، ونار اتقد شررها، ووجوه بيض ووجوه سود، وخلق محشورون إلى يوم لا ريب فيه، وجاء ربك والملائكة صفا…
فاجعل ذلك بين ناظريك ولا تغفل عنه بزينة الدنيا، فما الحياة الدنيا إلا برق، فمن اتخذ ضوءه نورا مد الله له فيه ما يكون ضياء كالشمس وأجلى، ومن اتخذه لهوا ذهب الله بسمعه وبصره وفؤاده، ورده إليه أعمى كما كان في الدنيا أعمى وأضل سبيلا.
يا ابن آدم: كان الله ولم يكن شيء، ثم خلق الله كل شيء، وكنت وبني آدم قبل النشأة الثانية أرواحا عرفت وغرفت وعلمت وفهمت وأشهدها ألست بربكم فشهدت.
فاذكر بروحك ذلك، وإن استعصت على عقلك المسالك، واقرأ كتاب الله يلين مغاليق العقل ويفتح أبواب الروح، فإن ذلك فتح عظيم فيه فتح عظيم مفتوح على مفتوح.
يا ابن آدم: لدنياك لونان: أبيض كفرح الذي كشف الله عنه الغم، وسعادة الذي قرّبه الله إليه ووصله بعد البلاء والهم.
وأسود كحزن المضطر، وليل من بات يشتكي من الضر، وأسى من مسته يد الشر.
ولسوف تلقى اليومين وترى العسر بين اليسرين.
فأدم ذكر الله تجد عون الله، وأدم تسبيح الله تجد مدد الله.
والجأ إليه وتوكل عليه، واستعذ به يدنيك إليه، وتضرع بالدعاء يأتيك غيث السماء، واصبر على البأساء واشكر في النعماء، يجعل لك ربك نصرا، ويبني لك في الجنة قصرا.
يا ابن آدم: أحب مولاك، وأحب من يحبهم مولاك، وأدم على ذلك الحب تجد عذوبته، فماؤه زلال، وطعامه حلال، وكونه جمال وكله جمال.
ولتكن نجواك: يا لطيف، ودعواك: لك الحمد، وتاج قلبك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
واعلم أن الله أكبر، وما من كبير تراه إلا والله أكبر، وما من عدو تلقاه إلا والله أكبر، ولا من شيء ينتهي إليه خيالك ويستعظمه بالك إلا والله أكبر.
يا ابن آدم: أطع الله تفز، أطع الله تهتد، اتق الله تصل، اتق الله ترشد.
يا ابن آدم: سلّم لله تسلم، وآمن بالله وأسلِم، تجد السلامة وأسلَم، وتوكل على ربك واعزم، تفز في الدارين وتغنم، ولا تهن فتندم، ولا تتبع ما لا تعلم.
يا ابن آدم: ما هذا الكون الذي تراه سوى ذر مما لا تراه، أكوان في سر العالمين، وبرازخ فوق عليين، وسماوات طباق، وأكوان تنطوي في أكوان، فالذرة كون في الكون، وما دونها أكوان في أكوان، وما فوقها أكوان أخرى، وأنت كون في الكون، وخلاياك أكوان أدنى هي بعين الأدنى منها أكوان أعظم من الكون الذي انت فيه، وما دون ذلك مما جعل في نسيجك ونسيج الأشياء.
والزمن أزمنة شتى: يوم كيوم، ويوم كألف عام، ولحظة كأنها آلاف القرون، وآلاف العصور كأنها لمح قصير، ويوم لا وقت فيه ولا يتسنه، ويوم يطول بإدراكك أو يقصر بشعورك، ويوم يتصل بما جعل الله عليه وعيك وحركتك وسعيك، فليس ذلك لك كما هو لأدنى المخلوقات حجما أو ما كان في غير عالمك من كائنات، فلا زمن الجن كزمن الملائكة إدراكا وحقيقة، ولا أزمنة الحيوان بنفس الادراك، فليست الذبابة كسلحفاة البحر وعيا وإدراكا لنسيج الزمن، ولا الكائنات العظيمة قبل آدم بنفس وعي زمن الجزيئات التي لها خلية واحدة.
وكل ذلك أحاط به الله فهو أدنى إلى كل أدنى، وأعظم من كل أعظم، ولا يشغله هذا عن ذاك ولا ذاك عن هذا، بصير بكل شيء محيط بكل شيء. قد أحاط علما وأحاط قدرة، فكان اللطيف وكان الخبير، وهو اللطيف الخبير.
ولكل ما ترى لحظة منشأ، هي أسرع من فكرك، وأسرع من ضوء العين، بما لا يمكن لعقلك تفسيره ولخيالك تصويره ، ولكل ما ترى تطور نشأة، هي حكمة حكيم وتدبير قادر، وفي كل يوم خلق خلقا جديدا فسمّاه وكونّه وبناه ولوّنه ومنحه ما منحه وقدر قبل القبل ما يكون بعد البعد وأثناء الأثناء، تفصيلا لا سهو فيه ولا موضع ذر لمصادفة أو نسي أو عبث. ولكل الخلق يوم ينتهي فيه فلا يبقى غير الله، وكما أنشأ الأولى فهو الذي يرث. ثم إن لكل شيء تجددا وتمددا، حيث تتغير الأحجام ويزيّل بين الأبعاد وتنفتح أبواب الأسباب فيطلع الخلق على الخلق ويزول الحجاب بين كائنات العوالم التي توازت أفقا أو أعلى أو أسفل. ويجمع الله الأولين والآخرين، ويحشر الوحش كله، والجن كلهم، والإنس كلهم، وما خلق قبلهم، وما كان في علمه مما لا تعلمون، ويقف الملائكة صفا لا يتكلمون، إلا من أذن له الرحمن، وأنت في كل ذلك ماثل، وعلى كل ذلك شاهد، ولكل ذلك ناظر.
فهل يا عبد الله ذكرت ذلك كأنك تراه، وجمعت شتاتك وسددت حياتك وخشّعت صلاتك وأخضعت للعظيم ذاتك.
يا ابن آدم: وحق الله إن حق الله عليك ما هو أدنى إليك، فلم يفرض عليك بعيدا ولا كتب عليك نكِدا عنيدا، إنما العناد نَفس إبليس ونزغ أمارتك تجعل يسير العبادة عسرا، وعسير المعصية يسرا.
يا ابن آدم: ارحم نفسك، ولا ترد دار البوار. فإن النار لمن نسوا ربهم، وحقت عليهم الكلمة، فاستعذ من ذلك، فهي والله حق، قد أُسرجت ورجَت من ربها ما رجت فقالت هل من مزيد. يسكنها الأشقى ويجنّبها الأتقى.
يا ابن آدم: إن قعد بك عملك، وغلبت عليك معاصيك، فاعلم أن الله لم يتركك لتهلك، ولم يترك أحبابك وأهلك، إلا من عصى واستكبر. ولم يعلم أن ربه أكبر.
فانظر على يمين قلبك تجد بابا، فادلف من الباب تجد حجابا، فانزع الحجاب تجد أحبابا، فاسأل الأحباب تجد جوابا: يا من غلب عليه ذنبه هذا باب محمد، باب الشفيع الكريم الروؤف الرحيم، فإن طلبت الباب قيل: لا يلجه من لم يأت من باب أهل الله، وإن رمت باب أهل الله أوصلوك إلى آل بيت رسول الله، فمن لم يكن له بآل الببيت وصال فما فاز ولا اجتاز ولا نال، فإن رمقتك عين الجلال، ومستك يد النوال، ونفحتك نفحة الجمال، فصل على محمد وعلى الآل، واسلك ولا تخف، فلا عتاب لمن ذلك بابه ولا سؤال.
بحمد الله في هذه الليلة المباركة
19/08/2018 23:39