3 دقائق للقراءة
للتفاعل بين البعد والتمشي منطلقات وتمظهرات ومسارات، وهو امر عام نخصصه للتفاعل بين البعد العقائدي من جهة والتمشي العقائدي من جهة أخرى. ومثال ذلك أنك ترى الشاب الذي يصطبغ بالوهابية التكفيرية ويتأثر بعقائدها المنحرفة الخطيرة يتحول تدريجيا حتى يصبح جزءا من المجموعة التي تشكل جانبا من البعد العقائدي الخارجي، فيجد فيها المنعة والقوة، بل إن ما يراه من منعة الجماعة يجعله يقبل سريعا ليكونا واحدا من الإخوة ويخرج من عزلته الفردية ويصبح له وزن مجتمعي واحترام أكبر لذاته. وهو ما يجعله يقبل بالتمشي ويُقبل عليه ويجرع السم راضيا مغتبطا ويمضي إلى مصير مظلم وهو يرى نفسه محظوظا، بعد ذلك ينخرط في تمشيات الإرهاب من مجرد الرغبة النظرية إلى الفعل التكفيري والتفجيري. حتى يقتل إخوته في الوطن والدين وهو يراهم أعداء له، ويطيع أعداء الدين وهو يراهم ورثة الأنبياء، ويحرق مقامات الصالحين وهو يراها أوثانا تُعبد من دون الله، ويفجّر جسده قاتلا للأبرياء وملقيا بنفسه في النار ظالما لها وهو يرى أنه أولى الناس بالجنة وأن الحورية في الضفة الأخرى من البرزخ تفتح حضنها له. ويعقتد أنه حين يترك أمه وأباه في لوعة وزوجته في ألم سيكون لهم شفيعا يوم القيامة ويدخلهم الجنة وهو يقف مع النبيين في منابر النور، جاهلا أن ذلك زيف زرعوه في عقله ومرض غرسوه في قلبه ووهم تصوّره حقيقة، ولكن العلاج العقائدي السليم لا يصل إليه لأن البعد العقائدي يحيط به ولا يمسح له بالخروج وقل وندر من تمكن من الاستيقاظ من الوهم التكفيري وتخلص من لوثة الحقد والدم والكراهية والموت.
ضمن البعد العقائدي فإن الفيروس الإرهابي تتم حمايته من منظومات الجدل والإقناع بالحجة، وتعتبر الوهابية على سبيل المثال نموذجا لذلك، فكلما ناقشت من امتلأ بالتكفير والتجسيم والحقد الوهابي تجده يجيبك آليا بآيات محددة وأدلة ثابتة، طبيعي أن ذلك إسقاط وتمويه لكن المتكلم مصدّق لها ومعتقد فيها. وقد يتم بسط هذا اكثر ضمن ما بينته في التمشي العقائدي، وكذلك ضمن دراسات سابقة لي مثل نظريتي التنظير والتكفير والتفجير.
إن البعد العقائدي يجعل صورة العالم ثابتة لا نسبية، والحقيقة مطلقة لا جدليّة، ويجعل الحوار مستحيلا والإقناع أكثر استحالة، ثم يمنع تسرب أي ضوء من الحق للنفس والعقل، لأن المدمغج يرى نفسه في حق تام خالص مجرّد، وهذا البعد لديه نماذج كثيرة من الحشّاشين النزاريين إلى الأزارقة الخوارج، وحتى النازيين الذين يبلغ بهم الاعتقاد فيما هم فيه حد السير لعبور مستنقع ضمن مجموعات يموت أولها لعقبه التالي فيموت داخل المستنقع حتى يشكلوا جسرا وهم حين ينفذون تلك الأوامر المريضة لا يجدون قدرة على رفضها ولو انهم ثاروا على قائدهم المعتوه والارهابي المجرم لقتل بعضهم ونجا البقية. ذات المشهد يمكن أن نراه في أتباع المعتوه جيمي جونز مؤسس وزعيم معبد الشعوب في فترة قريبة من تاريخ أمريكا والذين انتحروا انتحارا جماعيا او قتلوا بسم السيانيد في جنوز تاون، غوبانا، يوم 18 نوفمبر 1978 وكانت الحصيلة 900 قتيل من بينهم 200 طفل، وذلك اعتقادا في نبوة نبي دجال. وفي الخوارج كلهم وخاصة كأتباع حرقوس البجري والحروريين الذين قاتلوا الإمام علي وقتلوه، واتباع نافع بن الأزرق الذين قتلوا آلافا من المسلمين، وفي طاعة عمياء من الحشاشين (بين القرنين 5 و7 هجري/ 11- 13 ميلادي) ويسمون كذلك بالنزاريين نسبة لنزار المصطفى لدين الله الفاطمي الذي كانوا يدعون لإمامته للمجرم حسن بن الصبّاح وما فعلوه من علميات انتحارية وقتل واغتيال طال العديدين وبلغ حتى الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد. وهم في ذلك مؤمنون بإمامهم معتقدون فيه يعملون ضمن ذلك البعد وتلك المنطلقات مع ما يكون من مؤثرات أخرى كالمخدرات والروحانيات الفاسدة والشعوذة التي كان يمارسها حسن بن الصبّاح عليهم. ومع ما يكون معها من بعد استراتيجي واقتصادي ومجتمعي.