11 دقائق للقراءة
شهد العالم كله موجة عارمة من ردود الأفعال بعد هجوم صاروخي مباغت قامت به الولايات المتحدة الأمريكية على مطار الشعيرات العسكري في سوريا، وهو مطار له قيمة استراتيجية كبيرة وفي منطقة مهمة جدا في دوائرها القريبة والبعيدة، خاصة مع اقتراب معارك حاسمة في دير الزور والرقة وريف دمشق، ومع تطورات الحرب على داعش في العراق وتقدم الجيش العراقي مدعوما بالعشائر والحشد الشعبي.
وسوف أحاول في النقاط التالية تحليل ما بعد هذا الهجوم ضمن الابعاد الاستراتيجية والجيوستراتيجية والقراءات الآنية والاستشرافية.
كتبت حين انتُخب ترامب رئيسا للولايات المتحدة “الكوبوي في البيت الأبيض”، ولم يمض وقت طويل على حكمه حتى أشهر سلاحه فجأة في سوريا، ملقيا صواريخ على مطار الشعيرات العسكري، في تهور الكوبوي وعجرفته وعدم نظره للعواقب.
هذا الكوبوي الأحمق القادم من أعماق الفوضى والعنف، والمولع بصوت الرصاص، سيورط بلاده، والعالم، وهو حين قام بما قام به خارج التشاور مع الكونغرس، سيجد ردة فعل قوية سياسيا وإعلاميا ومدنيا مثل التي وجدها حين قرر منع دخول رعايا سبع دول إسلامية منها العراق إلى الأراضي الأمريكية، فما كان من القاضية الفدرالية الشجاعة آن دونيلي في المحكمة الفدرالية ببروكلين إلا أن عطلت قراره بقوة الدستور، وشهدت أمريكا مواقف كثيرة ضدّه وضد دعواته العنصرية من أشهرها ما تم في حفل نقابة التلفزيون الأمريكي الذي انتظم في دبي وما عبر عدد كبير من نجوم الولايات المتحدة الذين لهم تأثير على الملايين.
إن الناظر المدقق لمسارات الحرب على سوريا، وشظايا الإرهاب الذي ضرب مجددا بالشاحنات في السويد تطبيقا لفتوى أحد قادته للقتل بكل ما تصل إليه يد القاتل، بعد ما جدّ أمام برلمان لندن قبل ذلك بأيام، وما كان قبله في فرنسا بنفس الأسلوب، بخلاف العمليات النوعية الاخرى التي ضربت والتي ستضرب، ثم الناظر إلى مآلات الوضع في العراق وليبيا وتعقيداته وتشعباته الجيوستراتيجية والجيوسياسية، خاصة مع تمتين الشبكة الإرهابية في إفريقيا بين بوكو حرام في نيجيريا والشباب المجاهدين في الصومال وجبهة النصرة في مالي وخلايا القاعدة وداعش ما ظهر منها وما لم يتمظهر بعد، ثم نشاط الجناح القوقازي لداعش الذي ضرب في محطات القطار مجددا في بطرسبورغ بعد علمية فولغوغراد أواخر سنة 2013، ويبدو أن التنظيمات الإرهابية في المنطقة القوقازية أو ما سماه البعض تنظيم خراسان سيكون لنا نشاط كبير وعنيف مستقبلا، الناظر إلى كل هذا بعين التحليل والتعمق والاستشراف سيرى أن العالم كله في خطر شديد، وأن الإرهاب وحش يزداد كل يوم قوة، فما هو المفروض من الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي ترفع شعار حماية العالم الحر، وليس فقط خدمة للإنسانية كما تقول الشعارات والمواثيق الدولية وخاصة ميثاق الأمم المتحدة، بل لحماية أنفسها وشعوبها مما تكتوي به الآن، وما اكتواؤها إلا بعض جمر ولظى من حرائق الشام والعراق والنار التي أوقدوها فيها بفعل فاعلهم وتقاعس متقاعسهم وطمع طامعهم وحمق منعدم البصيرة فيهم.
تتفق الكثير من الدراسات على أن الحرب العالمية الثالثة أمر مصيري ولئن اختلفت في كيفية الاخراج، وكنت كتبت منذ فترة ما تراءى لي بعد تغول الدعوشة وتوغلها عن كون الحرب العالمية الثالثة حتمية بإخراج جديد يتمثل في الحرب بالوكالة وحرب التنظيمات الارهابية العنقودية التي يخبو بعضها ويظهر من رحمه مباشرة ما هو أشرس منها ويتخلّق بعضها من رحم بعض كما تخلّقت داعش من رحم النصرة وتخلّقت النصرة من رحم القاعدة. لكن حركة قام بها الكوبوي جعلت السيناريو يتغير إلى احتمالات الحرب المباشرة ويجعل رقمها يصعد في الحسابات.
إن إسهام ترامب في تعديل سيناريوهات الحرب العالمية الثالثية هو أمر كان جليا لي منذ عام قبل توليه الحكم حين دونت أنه سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة، لمسائل بينتها في مقالات سابقة أهمها حاجة عدد كبير من الأمريكان لشخصية الكوبوي الذي يشهر سلاحه علنا ولا يقتل بحقنة يخفيها في جيب سترته وهو يبتسم، لمنح العنصريين في تلك البلاد وأصحاب المخاوف على معيشتهم وأمنهم شعورا بالاعتزاز والقوة يشعر به أهل قرية نائية صغيرة في بدايات تشكل الولايات المتحدة حين يكون بينهم كوبوي قوي يحميهم من الهنود الحمر واللصوص، ولو كان مجرما وقاتلا وسفاك دماء.
طبيعي أن هذا لا ينسحب على كل الشعب الأمريكي بل على نسبة منه يوجد أمثالها وأضعافها في أمم الأرض كلها وما متطريفي اليمين الأروبي والنازيين الجدد ودواعش النسبة الجينية للأمة العربية والإسلامية إلا مظهر من مظهر التعصب المقيت الذي لا دين ولا عرق له في الحقيقة.
يضاف إلى النزعة المتطرفة والعنصرية التي تزايدت في أوروبا وفي أمريكا ويمكن النظر إلى العدد الكبير للجرائم ضد السود وغيرهم من الأقليات في مدن أمريكية كثيرة والقتل بالدم البارد من قبل شرطيين بيض لضحايا من أصحاب اللون الأسود، وهو عامل مهم في حساب احتماليات فوز ترامب، فإن هنالك عاملا مهما آخر وهو القوة المالية والاعلامية الصهيونية الداعمة والمتلهفة لحرب شاملة تنتقم بها لهزيمة تموز 2006 وتدمر الجيش السوري الذي طال صموده فوق ما تصوروا وتحاول توريط العالم في حرب مع روسيا التي تعافت ورجعت إلى قوتها وأكثر، وخاصة ضرب إيران مع الهلع والحنق الذي أصاب قيادات العدو الصهيوني بعد الاتفاق النووي وما دفع نتنياهو لأن يخطب في الكونغرس مراغما لرئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما ومتحديا له في بلاده.
وليس أدل على قوة اللوبي الاعلامي من الصورة الشهيرة لترامب رئيسا في مسلسل الصور المتحركة الأشهر في أمريكا “سمبسون” قبل عشر سنين من انتخابه، وهي سلسلة ظهرت فيها أيضا صورة رئيس أسمر وصور حروب الشام وداعش وغيرها، كما ظهرت في سواها في إطار علاقة السينما الأمريكية بصناعة سيناريوهات المستقبل الأمريكي والعالم والكشف عن بعض ملامحه التي يُعمل على تحقيقها وتطبيقها في قوة تنفيذية واستراتيجية مذهلة (كما بينت في مقال سابق عن هذا الأمر).
بمراجعة لكل ما ذكرنا، يبدو واضحا أن إيصال ترامب لرئاسة أقوى دول العالم ضمن وضع جيوستراتيجي خطير جدا هو لمهمة محددة لم يقدر عليها أوباما: تحويل الحرب من حرب بالوكالة والدهاء المخابراتي، إلى حرب مباشرة على طريقة الكوبوي.
إن المتتبع لردة القعل القوية والغاضبة من المجتمع الأمريكي ومن عدد كبير جدا من السياسيين والمثقفين والفنانين الأمريكيين على فوز ترامب وموجات الغضب العارم وخيبة الأمل العميقة يرى عمق شعورهم بخطره على الأمن القومي الأمريكي والعالمي، وثمة مشهد شهير تم الترويج له حين شارك ترامب في أحد مقابلات المصارعة العنيفة wwc واعتداءه بالضرب على منظم المباريات وحلق شعره (وإن كانت تلك النوعيات من المصارعة فيها نسبة كبيرة من التمثيل والاعداد المسبق لإثارة الجماهير المتحمسة) ولكن في الأمر جلاء لشخصية الكوبوي العنيف والدموي والعبثي أيضا والذي يستمتع بالعنف ويميل إليه غريزيا.
إن الهجوم الصاروخي على سوريا صفحة جديدة مختلفة، لها ما بعدها، سواء كانت ضربة محدودة نوعية، أو مقدمة لضربات أخرى، وسيكون من آثارها مزيد تعميق الهوة بين المحور الامريكي الفرنسي البريطاني ومن معه (إسرائيل والأنظمة العربية والإسلامية الداعمة للحرب على سوريا)، والمحور الروسي الصيني الإيراني وحلفائه، والمتابع لخطاب مندوب روسيا في الأمم المتحدة وحدة رده على ممثل المملكة المتحدة، وتصريحات القادة العسكريين الروس، يرى أن الكوبوي يقود العالم إلى حرب مدمرة ومواجهة مباشرة مع روسيا، لن يكون للمواطن الأمريكي، ولا للولايات المتحدة من ورائها اي مكسب، بل المكاسب الوحيدة والحينية ستكون للكيان الصهيوني، ولحلفائه صنّاع داعش من أدعياء العروبة والاسلام، ولكن ضراوة تلك الحرب ستكون وبالا على هؤلاء أيضا، فالكيان الصهيوني سيواجه مخاطر كبيرة على وجوده، وكذلك الأنظمة العميلة له، كما أن الرابح الحقيقي من هذه الحرب القذرة والمدمرة سيكون الارهاب، وهذا الإرهاب لا صديق له، ولن يتوقف وحشه عن الافتراس، حتى إذا من انتهى من خصومه أو عجز عنه وانهزم أمامهم كما انهزم في العراق، سيعمل انيابه ومخالبه فيمن صنعه وغذّاه وموله وسلّحه، فإن انتهى منه أعمل مخالبه في جسده وقتل نفسه وقتّل بعضُه بعضَه، كما فعلت كل التنظيمات المتعصبة والشيطانية على مر التاريخ، لأن الشيطان الذي يلقي الآخرين في الجحيم، لن يفتأ حتى يلقي نفسه فيه بدوره.
إن من واجب كل دعاة الانسانية ومناهضي الحرب أن يتحركوا ويضغطوا، ولا يتركوا مصير العالم بيد تهور كوبوي أحمق يحرّكه شرذمة من مصاصي الدماء وأعداء بني الإنسان، وخاصة المجتمع المدني الأمريكي إن كان يخشى على مصير أمريكا وما تمثله لهم من مبادئ وقيم، ولروح الزعيم الامريكي والرئيس الذي أنهى الحرب الأهلية، صاحب الفكر الهادئ والكلمات النافذة في القلوب محرر العبيد أبراهام لينكون، قبل أن تمتد إليه يد الخونة والمتعصبين وتقتله من جديد.
وكذلك الأمر للمجتمع الأوروبي عامة، إن كان لا يريد أن يرى هتلر وموسيليني والجنرال فرانكو مجددا، فما القتلى في شوراع أوروبا من نيس إلى ستوكهولم إلا بداية فقط لما هو أبشع من النازية.
ماذا ينبغي علينا كعرب وكمسلمين، وكدعاة للإنسانية والسلام، لن يكون الامر عسيرا من حيث النظرية، لكن التفصيلات الواقعية وتحديات المرحلة هي من العسر والتعقيد بمكان، وهو عمل كبير يحتاج للمجتمعات المدنية ولقرارات الدول التي تعرف واجباتها تجاه الأمة والبشرية وتجاه شعوبها، وكلٌّ على قدر إمكانياته، فمن لا يملك إمكانية أن يرفض الموت وأن يدعو للحياة، وأن يرفض الإرهاب والحرب وينادي بالسلام والوئام؟
إنه مجال للديلوماسية وللعمل المدني والاعلامي، فإن للكلمة الصادقة أثرها، وللذكاء الديبلوماسي دوره، ولاستمرار البحث عن حل سياسي يجمع السوريين ويوحّد الصفوف وينهي الحرب أمر ضروري (كما دعا إلى ذلك مندوب مصر في كلمته البارحة في الأمم المتحدة). كما أن كشف تزييف المزيفين ومواجهة الإفك الاعلامي للقنوات المضللة واجب مهم أيضا، ودور كل مثقف حر وشريف هو واجب مقدّس، واجب على أصحاب الفكر والأقلام التي لم تتلوث بالدم والنفط ولم تبع ضمائرها.
إن الحرب الدائرة رحاها بضراوة في الشام لم تكن منذ البداية مجرد حرب ميدانية فقط، ولا تداعى إليه المرتزقة والمغرر بهم بمئأت الآلاف من أصقاع الأرض لمجرد الحرب على ثروات سوريا وخاصة ما تم اكتشافه بداية من سنة 2008 من ثورات هائلة من الغاز والنفط، وإن كان ذلك محركا جوهريا لها، بل هي بالأساس حرب مبادئ وقيم، حرب حول حقيقة الدين الإسلامي، حقيقة معنى الله الرحمان ومعنى نبي الرحمة، الذي سرق الارهابيون معناه وتنادوا للقتل والتدمير بادعاء اسم الله ورسوله وهما براء منهم ومما يفعلون، وبادعاء الانتصار للاسلام وهو دين السلام والرحمة بكل شيء فكيف بالإنسان وهو مدار اهتمامه مؤمنا كان أو مدعوا للإيمان أو واقفا دونه تحت جناح: ” فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف). فكل من سالم يُسالم، وكل من استأمن يؤمّن، وكل من نال الحياة من الخالق لا حق لمخلوق لأخذها منه.
وهي كذلك حرب مفهومية لتحديد من العدو حقا، هل من استعمر أرض فلسطين وقتّل أهلها، أم بلاد الشام والعراق وجيشهما العربي المسلم، والذي حوى كثيرا من الطوائف والأعراق والمذاهب في انسجام واحترام وقاتل العدو الصهيوني في حروب كثيرة ومشاهد عديدة لمن قرأ التاريخ القريب مع الجيش المصري العظيم.
وهي كذلك حرب بوصلة: إلي أين يجب ان توجه البندقية: إلى صدر الأخ الشقيق أم إلى مغتصب الأرض والعرض والتاريخ؟
وإلى أين يجب أن تمضي خيل الفاتحين وتوجّه أحاديث الملاحم: إلى قدس أقداسنا لتطهيرها وتحريرها، ام لهدم عمود الدين وطمس أرض البركات، فالشام عمود الدين وأرض البركة، والعراق عرق العروبة النابض، واليمن عمق التاريخ والحضارة: فالحكمة يمانية والفقه يمانية والبركة يمانية كما قال سيد المرسلين. وما تدمير اليمن وتقتيل أهله بتلك الوحشية إلا وجه آخر من وجوه الحرب على الوجود الحضاري والديني والانساني لهذه الأمة بأيدي أطغى أعدائها ولئن ادعوا النسبة إليها.
ليست الحرب على سوريا مجرد حرب في نطاق محدد، بل هي حرب يتعلق بها مصير العالم كله، فلو أن التنظيمات الارهابية سيطرت على سوريا كلها وأسقطت جيشها (كما كان في ظن من صنعها وحساباته التي قدّرها لستة أشهر فقط وخاب سعيه) فإن العالم كله سيواجه أضعاف ما يواجهه اليوم من عمليات إرهابية، وصحيح أن الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة لم تتوقف وأن تمظهرها في مجريات الحرب على سوريا أمر حتمي، ولكن مكان ومكانة بلاد الشام وموقعها وعلاقتها بمصير الكيان الصهيوني الذي يتداعى بسرعة منذ هزيمة تموز 2006 ويخشى على مصيره في تصريحات أكبر قادته السياسيين والعسكريين، وفي استطلاعات الرأي أيضا ونظر عموم مستوطنيه، وبالتوازنات الجيوستراتيجية الدولية وميزان الثروات النفطية التي سيتغير ترقيم الدول فيها بمجرد استثمار سوريا لما تم اكتشافه في أراضيها، وغيرها من المعطيات تجعل الموقف الروسي أكثر صرامة، والطمع الأمريكي أكثر ضراوة، إضافة للدور التركي القطري السعودي من جهة، وللتطور الاقتصادي الإيراني والصيني، ومصالح تلك الدول التي من واجبها الدفاع عنها، فروسيا التي أرادوا خنقها بما يجري في اوكرانيا، والتي قامت بإعادة ضم القرم ذات الموقع الاستراتيجي المهم إليها بعد استفتاء شعبي، والتي لا تنفك في منافسة مع الحلف الاطلسي، وفي تطوير مستمر لقدراتها العسكرية بشكل متسارع، وفي ترميم للاقتصاد وبحث عن حلفاء أقوياء مثل دول البريكس التي تملك أرصدة مالية ضخة واقتصادات سريعة النمو، كل هذا يجعل الحرب الدائرة في سوريا حربا عالمية حقيقية تقترب كل مرة من المباشرة والمواجهة بين محاور قوية، وأعتقد أن صواريخ ترامب ألقت عود الثقاب في نهر من البنزين.
يذكر الجميع مشهد كولن باول وزير الخارجية الأمريكي زمن المجرم جورج بوش الابن، وهو يحمل قنينة صغيرة في الأمم المتحدة فيها ما يثبت به امتلاك العراق لأسلحة نووية، وتم تدمير العراق بتلك الحجة، ليكتشفوا أنه لا يمتلك من النووي شيئا، وحين سألوه بعدها قال أنه لم يكن يعلم، فصدقت العرب حين قالت: رب عذر أقبح من ذنب.
نفس الأمر يتم تكراره، فبعد ثبوت الأدلة أن داعش هو من استخدم الكيمياوي في الهجوم على الغوطة في أغسطس 2013 والذي راح ضحيته المئات خاصة من الأطفال بعد استنشاقهم لغاز الأعصاب في مجزرة فظيعة، هجوم تم حدث الهجوم بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى دمشق، وكم سبق للمفتشين الدوليين أن فتشوا العراق أيضا وهو تحت الحضار بحثا عن النووي المزعوم، بعد كل ذلك يتكرر الأمر في خان شيخون وتتكرر المجزرة ويروح ضحيتها المئات من أبناء سوريا وأطفالها، ويأتي تبرير الهجوم الأمريكي بأنه عقاب لسوريا على استخدامها للسلاح الكيمياوي، ويمكن فهم الأمر من كلام مندوب بوليفيا في الأمم المتحدة، الذي تساءل: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تكون المحقق والقاضي وتصدر الحكم وتضرب سوريا دون علم ولا موافقة الأمم المتحدة، في نفس الوقت الذي كانت تجتمع فيه الدول لاستحداث لجنة تحقيق في الغرض، وكذلك ما قاله المندوب الروسي حين تسائل: لماذا لا تمنحون مجالا لمجرد احتمال أن التنظيمات الارهابية هي من فعلت ذلك؟
وجلي لكل ذي نظر لم يعكّر فكره، أن أي نظام وأي جيش يخوض حربا مصيرية تحت أنظار العالم لا يمكنه من وجهة نظر استراتيجية أن يورّط نفسه بنفسه في اعتداء كيماوي على مواطني بلاده، فكيف بالجانب المبدئي والانساني وبحقيقة الجيش العربي السوري وقيمه؟
وأعتقد أن مسمار جحا هذا سيتم استخدامه كلما انهزمت التنظيمات الارهابية واندحرت واحتاجت من يفك عنها الحصار ويدعمها، فبعد خسارتهم لحلب لا يمكن أن يسمحوا بخسارة الرقة ودير الزور وحمص، وإن كان الأمر سيتم في كل الأحوال سواء طال أمد الحرب أو قصر، كما سيتم تحرير كامل تراب العراق، رغم أن الثمن باهض جدا.
خلاصة الخلاصة في كل ما ذكرنا وبيّنا: أن الأمور خطيرة وتتسارع نحو ما هو أخطر، وحين نضيف عنصر كوريا الشمالية وشخصية رئيسها، ونضعها في مواجهة شخصية ترامب، بالإضافة إلى شخصية بوتين، سوف نجد معركة بين مصارع كوري مجنون، وكوبوي أحمق عابث، ومقاتل روسي لا يخاف ولا يتراجع، ولكن المؤسف أنها حرب تجري رحاها في أوطاننا، ليس فقط في سوريا، بل في العراق واليمن وليبيا، ومن يدري لعلها تندلع في أماكن أوسع نطاقا، وفي مجالات أكثر، لتمضي بالعالم كله إلى مخاطر جمة، في غيبوبة من الضمير العالمي وعمى من الوعي لدى نسبة كبيرة من شعوب الأرض خاصة سكان أوروبا وأمريكا، فالخطر ليس فقط على العرب والمسلمين، بل عليهم أيضا، ولن تكون جيوشهم وأمنهم في وضع يسمح لها بحمايتهم لأن العدو في كل ركن ويتسخدم كل شيء للقتل فمن كان يتوقع من عموم شعب أوروبا يوم اندلع الحريق في الشام أن شواظه سيصل إليهم وأن شاحنات ستدوس المارة في نيس الفرنسية وفي لندن وستكوهولم، والذي يسخرون اليوم من التحذيرات من مخاطر الحرب العالمية عميان غافلون، فلم يكن هتلر في البداية إلا نكتة في أفواه من قرؤوا من كتابه كفاحي وهو في السجن، حتى صار المارد الذي كاد أن يدمر الكوكب كله وذهب ضحية جنونه خمسون مليونا من البشر دون الجرحى والخراب في كامل المعمورة، وما ترامب عن شخصيته ببعيد، بل لعله أضل وأطغى.