2 دقائق للقراءة
يحكى أن رجلا قرر ذات يوم أن يكون، فكر مليا واستشار بعض أصابعه، كان الإبهام موافقا، لكن السبابة حذرته توجسا…حدث هذا في اليد اليمنى، أما أصابع اليسرى فقد كانت منشغلة في البحث عن شيء ما..
نظر إلى الرقعة أمامه، ثم ألقى نظرة خارجها، كانت أرض الرقعة سهلا، أما التي أمامه فحزْن …والرقعة دافئة، في حين تمتد آفاق من الجليد والهجير على امتداد البصر، فهل يترك رقعته ويكون خارجها، هنالك في تلك الأبعاد، حيث الوعورة والأسئلة، حيث القمم والكهوف الموحشة، ألغاز ومفاجآت…
الرقعة أمامه، يمكنه أن يكون ما شاء، بيدقا، هذا يبدو سهلا، يتحرك حسب الأوامر، ويملأ الفراغات، يراوغ أو يتمرغ…لكن البيادق الصديقة قد تتآمر عليه، تغار منه، تضعه دائما في المقدمة، وحين يفرح بدور القيادة والريادة، يجد نفسه في مواجهة بيادق أخرى أشد عنفا ولؤما، خطأ بسيط، حركة خاطئة واحدة، ويطردونه خارج اللعبة، ينتفي ويتبخر، في حين يأخذ أقرب البيادق إليه مكانه، يرث مملكة أوهامه وكل ما باع نفسه لأجله، فليعدل عن دور البيدق…سيكون أضخم وأهم…فليكن فيلا، سوف يحمل الكثير على كتفيه، ولن يحس بأي ثقل، يمضي بطيئا ولكنه يصل في النهاية، إلى أين، الفيل لا يهتم بهذه الجزئيات الخفيفة، المهم أن خطوه الثقيل سيوصله إلى مكان ما…ربما حيث يفاجئه فأر..إنها مشكلة الفيل..أنه يخاف من جزيء صغير لا تكاد تراه عين الطبيعة…
مشكلة الفيل فأر، ومشكلة البيدق ثأر..ماذا لو انتقم منه كل من له ثأر بأحد البيادق المتناثرة على الرقع هنا أو هناك..أو من يكره البيدق لمجرد أنه بيدق..إن هذا يجعله أكثر إصرارا على رفض دور البيدق…
سيكون القلعة..منيعا قويا، بأبواب ضخمة، وقصور فخمة، لكنه يخشى الوحدة والصمت، وإن رحل عنه ساكنوه استوطنته الغربان والأفاعي وعوت الريح في جوفه، إنه حقا يخشى البرد…ويخاف كوابيس الليل…أما إن هاجمه جيش ما..فكرة أو إحساس غامض، وحاصرته الجحافل ورمته بالمنجنيق، ستكون الحرب رهيبة وستندك جدرانه، ربما أن حراس أركانه سيستميتون في الدفاع عن قلعتهم، وسيسكبون الزيت المغلي على الجراد المتسلق، لكن ماذا لو شرب الجند خمر النشوة والبديهيات، ووجدوا في الصباح حصانا من خشب، هل ينسى ما كان لطروادة، وهل يمكنه أن يتخلص من خوفه من تلك التي سببت المأساة، تلك الأنثى..كم يخشى الأنثى، بل إنه يخافها، يخافها حد الهلع..
فليجرب أن يكون ملكا…لا يحتاج الملك إلى تبرير…لكن دور الملكة لغز يحيره..من تكون ملكة الملك..وكيف سيحميها من الملك الذي يجلس في الضفة المقابلة للعبة..بل كيف ينفك من عشقه للملكة التي تقابله…ملكة الصف المعادي..إنها حقا لعبة معقدة جدا…
دور الملك…ليس سهلا كما يعتقد البيادق حين يسمرون في الرقعة بعد انتهاء كل مباراة…فسوف تظل كلمة واحدة تقض مضجعه كل ليلة، بل كل لحظة..”كِش ملك..مات الملك!!!…”
هل سيرث أحد البيادق الملكة ويُركبها على ظهر الفيل وينطلقان من القلعة في رحلة بعيدة نحو تلك الأفاق الممتدة..تاركا الرقعة ودفأها…ليتحول إلى بيدق حر؟؟!
ألقى الرقعة من أمامه..ومضى ساحبا يده اليسرى…تحرري من خوفك…أكون بيدقا حرا..ولا أكون ملكا سجينا..حاكما على رقعة…تتناوب على حكمها بعض الأصابع..والخطط المتضاربة…
وقف فجأة..
“مهلا لحظة…لِـمَ أكون بيدقا حرا..؟؟؟
أنا لست بيدقا حرا..
لست بيدقا..
أنا حر..
حر فقط…”
طرابلس
30/05/2009 09:27 م