< 1 دقيقة للقراءة
في حوار مع صديقي المثقف الراقي ببغداد قال لي: “من يطارد ثلاث أرانب يفقدها كلها”.
فأجبته: لقد طاردت الأرانب الثلاث، فأمسكت الأولى ووضعتها في قفص، ثم سعيت خلف الثانية، وهكذا…
وابتسم صديقي..
لقد كان يقصد كثرة التخصصات العلمية، التي ستكون كمن يطارد عددا من الأرانب في نفس الوقت، فيضيع جهده ويتشتت تركيزه ولا يحقق من ذلك شيئا.
ولكن التركيز على كل تخصص على حدة ومنحه الوقت الكافي لاتقانه، ثم الانتقال بحكمة الى تخصص آخر مع الحفاظ على التطوير المعرفي للتخصص الأول والوعي بنقاط الترابط بين التخصصين وتطبيق نفس القاعدة على بقية التخصصات والفنون المعرفية، سيمكنك من الامساك بعدد كبير جدا من الأرانب دون ان تفقد واحدة منها.
تجربتي البسيطة في هذا دليل ربما، وإن كان هنالك في العالم اليوم من لديهم تجارب أثرى، وعلى سبيل الذكر بعض معلمي فنون الدفاع اليابانيين يمتلكون تخصصات علمية وفنية كثيرة.
ولعل للأمر ارتباط فعلي بفنون الدفاع التي تصقل الجسم وتحرر الروح فينعكس ذلك على العقل، وبالفلسفة التي تمنح الفكر منهجا شاملا متكاملا، وبالتصوف الحق أيضا، حيث إذا تم الاستعداد يكون الإمداد وترد الفيوضات القلبية فتنعكس على مرايا العقل علما وأدبا.
ولعلها خاصية للعقل خفية فيه يجليها الله لمن شاء، وتعمل الحياة بتجاربها ومؤثراتها على إيصال الإنسان إلى حقيقته المتعددة المتناغمة والمتنافرة أيضا.
ولعل مطارد الأرانب في الحقيقة لم يصطد أرنبا ولم يمسك به، بل أعانته المقادير على ذلك، وساقت له بالتيسير ما جعل ذلك ممكنا له، وعسيرا على سواه، بل مستحيلا لدى كثيرين.
فذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده.
سوسة 25/10/2018 07:55