4 دقائق للقراءة
بسم الله الرحمن الرحيم الجواد الكريم السميع العليم.
والحمد لله العلي العظيم القوي الحكيم.
له الحمد على نعمه وجوده كرمه وواسع فضله.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا ونبينا محمد سيد ولد آدم وإمام المرسلين وخاتم النبيين وأشرف الخلق أجمعين.
اشهد ان لا إله إلا الله وحده، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد ان سيدنا محمدا رسول الله، عبد الله، حبيب الله، بلغ الامانة وأدى الرسالة وجاهد في الله حق جهاده، ونصح للامة وتركنا على المحجة البيضاء.
صلى الله عليه وعلى آله كما صلى على سيدنا إبراهيم وعلى آله.
ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين.
وبعد عباد الله:
خلق الله الخلق ففضل بعضهم على بعض، ورفع بعضهم على بعض درجات.
وخلق سبحانه الاشهر والايام ففضل بعضها على بعض، ورفع بعضها على بعض درجات.
وجعل لشهر رمضان فضلا على كل شهر، فهو شهر الصيام والقيام والرحمة والقرآن، قال عنه سبحانه: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ (185) البقرة.
وجعل ليلة القدر فيه خيرا من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها.
ثم جعل لشهر الصيام عيدا فضيلا مباركا، فرحة للصائمين وسعادة للمؤمنين، فهو يوم من ايام الله العظيمة، ومنحة من منحه الكريمة.
فشهر رمضان شهر سعادة لمن صامه محتسبا منيبا، ونال من فضله وخيره نصيبا، وجعل نهاره اصطبارا وليس ادكارا، وسجد وصلّى، وقام الليل وسارع في الخيرات وعمل الصالحات.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه“(متفق عليه).
وليس بعد فرحة الصيام سوى الابتهاج بالعيد الذي جعله الله بشرى وخيرا وتذكيرا بما اعد من نعيم للمؤمنين الصابرين.
سبحانه جعل لصبر الصائمين شهر رمضان جزاء فوريا هو العيد، وجعل له في الاخرة اعيادا وافراحا وسعادة أبدية.
إنها نفحات الله ورحماته، وأنواره وبركاته، بل إنه سبحانه جعل شهر القرآن شفيعا للانسان مع القرآن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فيشفعان“(الحاكم في المستدرك).
عباد الله، بشرى لكم بالعيد بعد ما كنتم عليه شهركم الكريم من صيام وصبر وعبادة وسجود وركوع، فهذه بشائر رحمانية يزفها اليكم عيد الفطر المبارك، ورحم الله القائل:
بشائر العيد تترا غنيّة الصور * وطابع البشر يكسو أوجه البشر
وموكب العيد يدنو صاخبًا طربًا * في عين وامقة أو قلب منتظر
ولكن لا ننسى في فرحنا المحمود هذا فقراء المسلمين، ولا ننسى المحتاجين، نتصدق عليهم مما وهبنا الله، ولا ننسى كل مبتلى في امة سيدنا محمد، فندعو الله سبحانه ان يكشف البلاء عن هذه الامة، وأن يجعل لها من كل غم مخرجا، ومن كل ضيق فرجا.
وان يرحمنا ويرحم اهل الاسلام، وأن ينزع يد الشر عن البشرية حتى تعيش بسلام ووئام.
عباد الله: ان ربنا رحمان ونبينا رحمة مهداة، وشهر رمضان شهر رحمة، والعيد عيد رحمة، فنملأ قلوبنا رحمة، ولنتراحم بيننا، فالراحمون يرحمهم الرحمان كما صح عن رسول الله.
وبين السعادة بالعيد، والانفاق والتصدق، والتراحم والتزاور، والاستبشار وحسن السيرة ونقاء السريرة، يكون عيدنا نبضا من نبضات المحبة من الله والمحبة في الله والمحبة لله.
لكنه يوم يتذكر فيه الغنيّ الفقير، ويتذكر انكسار اليتيم وحسرة المحتاج.
فمن وجد ان ينزع ذلك ويجعل مكانه السعادة ويجبر الخواطر بيده فليفعل، منفقا مما رزقه الله صدقة لوجه الله.
ومن وجد أن يغيّر ذلك بالكلمة الطيبة تواسي وتنزع الكدر وتمنح البِشر والسعادة فليفعل، فالكلمة الطيبة صدقة والابتسامة صدقة.
ومن لم يجد فعليه بقلبه، رأفة ورحمة ودعاء، والدعاء بظهر الغيب مستجاب، والله كريم وهاب.
عباد الله:
ان العبر التي يمنحها رمضان كثيرة، والمعاني التي يحملها العيد عديدة، تحتاج تدبرا ونظرا وإمعان فكر.
وان الامة اليوم تشكو من جراح نازفة وحروب مستمرة، يقتل فيها الاخ اخاه، ولا يراعي إلّا ولا ذمة، ويزداد النزيف في شهر الصيام، ولا ينقطع حتى في العيد الذي هو أمان وسلام.
فنسأل الله بحرمة الشهر العظيم واليوم العظيم، أن يكشف الضر ويخزي الشر، وأن يهدي قلوبنا لطريق السر وصراط الهدي والبر، انه من ينفع ويضر.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح اعمالنا واغفر ذنوبنا وتجاوز عن تقصيرنا وسيئات أعمالنا.
اللهم بارك عيدنا وارحم مقصّرنا ولا تفتن سعيدنا. واجعل اللهم يوم لقياك لنا عيدا، والآخرة عيدا لنا ولأهلينا وأحبابنا الذين أحببناهم فيك.
ربنا اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. ربنا اجعل لنا من الخير أفضله، ومن الرزق أتمّه، ومن العلم ما فيه النفع والسعادة.
ربنا وهذا شهر رمضان قد انقضى، ومضى إلى موعده القادم، فاقبل منّا حسناتنا وتجاوز عنّا سيئاتنا، واجعلنا في صحيفة المقبولين ولا تجعلنا في صحيفة المحرومين.
اللهم لا تحرمنا أجر رمضان، وبركة رمضان، وخير رمضان، وتقبل صيامنا وقيامنا فيه لأجلك وأجل رضوانك.
اللهم وهذا العيد الذي كتبته لنا بعد الصيام الذي كتبته علينا، فاجعل الله لنا من أنواره وبركاته ونفحاته، وأيادي كرمك وجودك وعين رعايتك فيه.
اللهم أسعدنا بمرضاتك، وشرّفنا بالقبول والقرب من ذاتك، وزيّنا بأسرار صفاتك، واجعل فرحنا محمودا، وسعادتنا منحة لا محنة فيها.
وفرج اللهم عن المهمومين والمكروبين والمبتلين، يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على عين الرحمة، ومعين الرحمة، وجوهر الرحمة، وذات الرحمة، وإنسان الرحمة، ونبي الرحمة، عيد المحبين، وسعادة المقبولين، وتاج العارفين، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين، وأشرف الخلق أجمعين، سيدنا ومولانا محمد الصادق الهادي الأمين.
وعلى آل بيته الطبيين الطاهرين الميامين السعداء المخبتين الفائزين مصابيح الهدى وشموس يوم الدين سفينة النجاة للمؤمنين وبرهانك الظاهر في العالمين منبع الصالحين وأسياد أهل اليقين.
أدخلنا اللهم تحت لواء أهل السعادة، وتقبل منا خالص العبادة، وتجاوز عن التقصير والنقصان والزيادة، واكتب لنا صدق الشهادة، وحسن الوفادة، مع النجباء السادة، واجعل لنا الحسنى وزيادة. واجعلنا من الفائزين بالجنة التي بشّر بها الرحمن عباده:
” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) (يونس)
سوسة 04/06/2019 11:23