4 دقائق للقراءة
رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية التونسية
سيدي الرئيس، واعذر جهلي وجهالتي، فأنا لا أتابع أخبار البلاد كثيرا، ولا أجد وقتا لمشاهدة أبطال الجدال على القنوات، فقد أخذتني الأسفار عن رحابكم ورحاب سادتي الذين يَحْكمُونَ ولا يُحكِمون فيما يحكُمونَ، فكان حالي كحال الأول:
وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ
لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأَلُ
ثَـلاَثَـةُ أصْحَـابٍ : فُـؤَادٌ مُشَيَّـعٌ
وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْـرَاءُ عَيْطَـلُ
وَلَسْـتُ بِمِهْيَـافٍ يُعَشِّـي سَوَامَـه
مُجَدَّعَـةً سُقْبَانُهـا وَهْيَ بُهَّـلُ
ولا جُبَّـأٍ أكْهَـى مُـرِبٍّ بعِرْسِـهِ
يُطَالِعُهـا في شَأْنِـهِ كَيْفَ يَفْعَـلُ
وَلاَ خَـرِقٍ هَيْـقٍ كَـأَنَّ فــؤادَهُ
يَظَـلُّ به المُكَّـاءُ يَعْلُـو وَيَسْفُـلُ (1)
ولكنني سأقول كلمة في شأن مسألة أراني به عليما، وقد خبرتها لسنين وأعرف دقائقها وحقائقها. وهي مسألة الإرهاب (العدو الأخطر للعالم اليوم، ولبلادنا العزيزة).
ودعني أقول لكم يا فخامة الرئيس: من استشرت حين استقبلت أبناء الإرهابيين في قصر الدولة؟. فإن لذلك القصر مكانة ومنزلة عظيمة، كما لمنصبكم اليوم كرئيس للتونسيين مكانة وقيمة كبرى، ولكل حركة تقوم بها مضامين ورسائل على غاية القيمة والخطورة.
فأي رسالة من استقبال رسمي لأبناء إرهابيين من طرف رئيس البلاد و القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي ؟؟؟.
إن أولى تلك الرسائل المباشرة (لمن يحسن القراءة أو لمن لا يفك الخط): أيها الإرهابيون في الجبال والتلال وفي شدة الحال، بعد أن دكدكت القوات الأمنية والعسكرية عروشكم، وبعد أن مرغ الجيش السوري العظيم والجيش العراقي الباسل والقوات الداعمة له أنوفكم، وأنوف من دعمكم وصنعكم، في التراب: اطمئنوا فنحن نرعى أبناءكم، وهم في أمان بيننا.
وهي تماما مثل الرسالة التي وجهها رعيل من الشعب الكريم لإرهابيي الجبل: هنيئا لكم لقد صار لديكم من ينوبكم في مجلس الشعب.
فالذين استماتوا في الدفاع عن الإرهابيين والذين عليهم قضايا وأحكام لتهريب ملفات إرهابيين وغيرها من الكوارث، هم نواب اليوم.
والذين كانوا من أعمدة شبكات التسفير وممن أفسدوا عقائد الشباب وغرروا بهم، هم نواب المجلس الموقر.
بل عندما تستغربون من استفحال الجريمة وتستدعون وزير الداخلية، تأملوا الدرس الممتاز للشعب العظيم صاحب الثورة المجيدة للحرية والكرامة والعيش الكريم، وهو “يضرب أروع الأمثلة في الفداء والوطنية “ويهب اللصوص والمهربين الأخطر في البلاد مقاعد في مجلس النواب.
أليس في ذلك دافعا للإرهابيين والمجرمين حتى نرى استفحال الجريمة وحتى نتيقن أن مثل تلك الرسائل ستجدد الطاقة المعنوية المنهارة لدى فلول الإرهاب وخلاياه المتيقظة والخائفة.
أما الرسالة الثانية الأكثر إيلاما: فهي إلى أبناء شهداء المؤسستين الأمنية والعسكرية، الذين لا يلتفت إليهم أحد سوى زملاء آبائهم وفق الإمكانيات المتاحة. أبناء الشهداء الحقيقيين الذين قدموا أعمارهم وزهرة شبابهم لإنقاذ تونس من طوفان الدم ومن زلازل كانت ستدك البلاد دكا.
فليتكم -يا سيدي- استقبلتم أبناء شهداء المؤسستين الأمنية والعسكرية عوض أبناء الإرهابيين.
إن على مستشاريكم تنبيهكم لمثل هذه الأمور التي قد تغفلون عنها. فليس الرئيس أعلم خلق الله بل يحتاج لفريق من الخبراء والمستشارين.
أما عن كون أولئك الأطفال أبرياء ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولا ذنب لهم فيما فعل آباؤهم، فاسمح لي أن أقول لكم يا سيادة الرئيس: هل تعلمون عدد العمليات الانتحارية الارهابية التي قام بها أطفال الدواعش في سوريا وليبيا والعراق ونيجيريا وغيرها؟
هل تعلمون أن أحد الآباء الداعشيين وزوجته الداعشية فخخا ابنتيهما (ستة وخمسة أعوام) وسجلا ذلك بسعادة وهما يرسلانها إلى الجنة ويقدمانهما (في سبيل الله)، وفجرت البنتان نفسيهما في مركز للأمن في دمشق.
هل تعلمون أن علميات إعدام لأفراد من الجيش السوري والعراقي رميا بالرصاص نفذها أطفال دواعش سنهم دون العاشرة.
هل تعلمون ان عمليات ذبح نفذها أطفال دواعش.
وكل هذا موثق بالصورة والصوت والعالم كله يعلمه.
هل تعلمون أن لديهم فريقا للتكوين والتأهيل والدمغجة ويقوم بدورات تكوينية في الذبح والقتل والتفخيخ لأطفال وتم توثيق ذلك في مساجد دير الزور وغيرها.
ولذلك كان من باب أولى تكليف فريق إحاطة نفسية واجتماعية، وتنشيط البعد الاستخباراتي ليتم التمييز بين ابن إرهابي غير مصاب باللوثة المعدية وبريء مما اقترف والداه، وغيره ممن جرب القتل بيديه أو شهد على ذلك ولم يتحرك له ساكن. فهنالك شياطين قابعة في القاع لا يمكن تصورها. وهنالك عمليات تخدير ومغنطة وبرمجة وتسميم مشهدي وسمعي واستخدام لنوعيات من المخدرات وغير ذلك مما يجعل مسألة الأطفال الارهابيين أكثر تعقيدا مما تبدو عليه.
لذلك كان الأجذر بكم وأنتم القائد الأعلى للقوات المسحلة ورئيس مجلس الأمن القومي أن تفكروا مليا وتستشيروا جيدا قبل أن تستقبلوا رسميا أبناء من قتلوا من أمننا وجيشنا ومواطنينا وقتّلوا في سوريا والعراق وليبيا وهي دول عربية مسلمة يجمعنا بها ما لا يحصى من الروابط.
كما أنكم وأنتم القائلون بخيانة المطبعين عليكم أن تعلموا أن الإرهاب صنيعة صهيونية وأن جرحاهم يعالجون في تل أبيب. وأن الحرب على الإرهاب حرب معنويات قبل وبعد وخلال كل شيء. وأن تلك الحركة لها حساباتها الدقيقة وتأثيراتها العميقة على المستويات كلها خاصة الاستراتيجية منها.
ختاما: أنا لست معارضا لكم ولا مؤيدا أيضا. سأكون معكم في كل حركة وفعل لخدمة البلاد. وسأنقدكم في كل ما لا يخدم بلادنا ولو فعلتم ذلك دون سوء نية، إذ لا أظنكم أردتم خذلان الأمنيين ونصرة الإرهابيين. إنما لا يخيب من يستشير.
أنا مع الوطن ومع المؤسستين التين دافعت عنهما منذ أول أيام “الثورة” وسأستمر دون أية غاية ذاتية، وكل ما قدمته من ندوات وبرامج تلفزية كثيرة كان للتوعية دون طمع في منصب أو مكسب أو مليم أحمر أو أصفر، فليس عندي طمع المتنبي في كرم “الإخشيدي”. إنما أنا رجل يتبع قلبه ودمه. وهذا القلب يرفض أن يبيع وطنه أو يصمت حين ينبغي الكلام. وهذا الدم يرفض أن ينسى إخوة حموا البلاد بدمائهم وقدموا أرواحهم فداء لنا، وهم تونسيون قبل أن يكونوا أمنيين وعسكريين، ولديهم أسر هي الأولى وأطفال هم الأجدر بالاهتمام والاستقبال.
وليس هنالك من داع أن أعيد على مسامعكم ما ردده التونسييون والعرب بالملايين مما كان من كلماتي الجريحة ذات يوم: خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن.
المجد لتونس ولشهدائها.
سوسة 27/01/2020
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشنفرى: لامية العرب