لا نؤمن بيوم القيامة

2 دقائق للقراءة

“نحن لا نؤمن بيوم القيامة، ولا نصدّق بالبعث”.
على قدر ما يبدو هذا الكلام صادما، أو صادرا عن الملاحدة، فإنها حقيقة للأسف، تشمل معظم الذين يدعون أنهم مؤمنون.
فلو أننا آمنا حقا بيوم القيامة، وأن كل ما نراه سينتهي، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن لها علامات تكشف عن قربها، وأن الذين ماتوا سيبعثهم الله من قبورهم، ويحشرهم إليه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الحياة الدنيا دار فناء، وأن الآخرة خير وأبقى، لما كان هذا سلوكنا.
الهلع من فيروس لا تراه العين، حقير صغير، وكأن الموت لا يأتي إلا به، وكأنه لا موت سوى من مات بالوباء، وكأننا أردنا الخلود في الأرض، وكأنه لا ملك موت ولا ساعة محسومة لا بد منها.
بل وكأنه لا قضاء ولا قدر، وكأننا لم نسمع أن “ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك”.
كل هذا يكشف حقيقة أليمة مرة: الإيمان مجرد تشدق باللسان. القيامة تعبير خيالي لدى معظم من يدعون أنهم آمنوا. ولا لوم على الملاحدة إذا.
كلا وربك لا يؤمن مؤمن حتى يستقر في قلبه أن لا خوف إلا من الله، ولا ضار إلا الله، ولا نافع سواه، مع اليقين بجاه أهل الجاه من فضل الله وسيلة إلى الله بالله.
ولا يصدق إيمان مؤمن ما لم ينجلي عن قلبه ما تغشّاه، فيرى أن الموت موعد، وأن الساعة حتم، وأن القيامة قائمة كأنه ينظر إلى الناس من الأجداث إلى ربهم ينسلون، وأن الجنة هي المأوى، وأن النار دار أهل البوار. وأن ذلك حق لا مجرد لفظ ينطق به اللسان ولـمّا يصدّق به الجَنانْ.
إن ادعاء الإيمان دون برهان إيمان وتحقق يقين، مما يستوجب الاستغفار.
وإن الامتلاء القلبي بالإيمان الحق يمنح سكينة وطمأنينة.
ولا يعني هذا إلقاء النفس في المهالك، وتجنب الحذر عند وجوب الحذر، أو التواكل بادعاء التوكل.
إنما أن يكون القلب في كنف الله مطمئنا.
وأن يعلم الإنسان أن الدنيا فانية حقا لا مجازا، وأن الموت حق فيه خير لأهل الخير، فلا يخشاه من علم أنه مُقبل على الله.
وأن البعث حق، وأن الكل سيبعثون حقيقة لا مجازا.
وأن القيامة ستقوم. وان كل ما يراه من حوله سيزول حقا لا مجازا.
وأن الله سيجمع الأولين بالآخرين في يوم عظيم حقا لا مجازا.
وأن الجنة فيها حياة خير من هذه الحياة. وأنها حقيقية لا مجازية ولا تصورية خيالية. ولئن لم يستطع بجوامع عقله ومجامع إدراكه بلوغ كنهها على وجه التعيين، فالقلب يدركها على وجه المعاينة. لأن القلوب العارفة ترى ما لا تراه الأعين.
إن مراجعة الإيمان في مثل هذه الأيام ضرورة، حتى لا يكون الإنسان متناقضا: يقول بلسانه ما ليس في قلبه منه مثقال ذرة.

16/04/2020

مقالات ذات صلة

في شهود البيت العتيق
وأنت بجوار الكعبة المشرفة، تشهد المشهد العظيم، ترى بعينك الطائفين، وترى بقلبك الأولين، وتنظر بروحك إلى وجوه النبيين، من آدم الأول، بعد أن تاب...
3 دقائق للقراءة
عن الحق والباطل
كل فضيلة تقع بين رذيلتين.الكرم بين البخل والتبذير.والشجاعة بين الجبن والتهور.وكل حق يقع بين باطلين: باطل يحجبه، وباطل يسعى لتزييفه. هكذا حدثتني الروح، وهكذا...
< 1 دقيقة للقراءة
في مقام الوالدين
عظم الله قدر الأم، وأبان عن عظيم شرفها في كتابه، وأوصى الإنسان بوالديه ووصّاه ببرهما، فقال عز من قائل: ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ﴾ [العنكبوت...
2 دقائق للقراءة
وظيفة الاستغفار
وظيفة الاستغفارمن الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية العلية.مع صدق الرجاء وإخلاص النية في الدعاء، والتوجه القلبي الكلي إلى الله، والتوسل بمن للوسيلة ارتضاه.لها بفضل...
2 دقائق للقراءة
في حكمة القبض والبسط
في حكمة القبض والبسط والفناء والبقاء ومما يثير الدهشة في الحياة، قدرتها على التلون والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وهي في ذلك تأخذ...
2 دقائق للقراءة
لقاء على بساط المحبة
على بساط المحبة والأنس بالله، كان لقائي بالشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية، وقد كان لقاء منفوحا بحب الله ورسوله، محاطا بسر أهل...
3 دقائق للقراءة
عن الطريقة الخضرية
قد يظن البعض ممن لم يطلع على الرسائل ، ولم يفهم المسائل، أن الطريقة الخضرية بدع من القول مما افترى على الأمس اليوم، وبدعة...
2 دقائق للقراءة
صم عاشوراء ولكن
كل عام أكتب عن عاشوراء، ويغضب الكثيرون.حسنا، لن أقول لك لا تصم يوم عاشوراء، لكن إن كنت ستصومه فلا تفعل ذلك ابتهاجا بنجاة موسى...
3 دقائق للقراءة
خطبة بين الروح والقلب
الحمد الله مبدي ما بدا، وهادي من هدى، الذي لم يخلق الخلق سدى.والصلاة والسلام على نبي الهدى، ونور المدى.من عز بربه فساد،  اتباعه رشَد...
< 1 دقيقة للقراءة
عن القرآن الكريم
ليس القرآن فقط مصحفا من ورق، عليه كلمات مطبوعة، تطال نسخه أيدي الآثمين.فيقرؤه قارؤهم والقرآن يلعنه، حتى يقتل خير الناس اغتيالا في المسجد وهو...
2 دقائق للقراءة