مناجاة الجمال

4 دقائق للقراءة

(كنز لمن ذاقه، وباب لمن اشتاقه)

من كتاب التسبيح، سلسلة المشكاة

اللهم يا من خلق كل جميل وجمّله. 

يا صاحب الجمال، فكل جمال ظلّ له.

يا حِبَّ القلب، وأنْس الروح، وعون من لا عون له.

ويا مغيث اللهفة، وسكن الحيرة، وبرد اللوعة، ورب الفصل في كل مشكلة.

ويا مالك الملك، ومجري الفلك، والرياح المرسلة.

 ويا وارث الخلق، ظاهره وباطنه، وآخره وأوّلَه.

من أظهر الحق، فنّزله وفصّله وبيّنه وأوَّله.

رب الكواكب والنجوم، والبحار والغيوم، والسماء المُقفلة.

 ورب أبوابها وحجّابها، وقضائها وكتابها، وأقدارها المنزّلة. وما فوقها وما تحتها، وظاهرها وعنيفها، وخفيّها ولطيفها، ورب النملة والسنبلة.

ورب الطير العالية والوحوش الجالية، السابقة والتالية، وما خلقت من قبل ذلك في الأمم الخالية، وما تخلق في الأمم المقبلة.

ورب الأولين ومن قبلهم، ومن كانوا في أول النشأة، ومن أنشأتهم بعد أن بلغ الكون من العمر أرذله.

ورب الأبدان والأشباح، والأجساد والأرواح،  المتسارعة المتشكّلة.

ورب الأين والحيث، والجهة والحدّ، والكم والوقت، والحجم والكيف،  والبُعد والعمق،  والضوء والظّلمة، والذرة وما فيها من أكوان وقوى كامنة ومُفعّلة.

ورب الألوان والأصوات، واللغات والكلمات، والأسماء والصفات، وما فيها من جمال وجلال وكمال وآيات، وما أتمّه، وما فصّله.

ورب ما تجلى به على ما خلق فرسمه وجسّمه وقوّمه وسمّاه، وأخفاه أو أبداه، وأماته وأحياه، وجدّده أو أفناه، وقد أحاط به علما من قبل، وأحصاه، فما أعجزه منه شيء، ولم يعزب عنه شيء، وإذا ما شاء جعل غيره واستبدله.

ورفعه أو وضعه، ويسّره أو عسّره، لعظيم حكمته السابقة في علمه، العاجلة في أمرها والمؤجّلة.

 ويا من أوجد كل موجود فقدّر أقداره، وسطّر أمره وخبِر أخباره، وجعل معناه وكنهه وأسراره. وتكليفه وتصريفه وتوظيفه ونفعه أو ضرّه، وما فيه من نقص أو زيادة جعلية أو مُحصّله.

ويا رب كينوناته وتفصيلاته، ومكوّناته وتكويناته، البطيئة والسريعة، الجميلة  البديعة، التي شهدت له بالقدرة، وسبّحت له.

ويا من فطر المخلوق وبرأه، وفي ملكه ذرأه، وحدّه بحدود المدّة والامكان، والزمان والمكان، ورب ما له   فيه من حكمة وشان، وما له عليه من سلطان، وما له من آية به وبرهان، وقال له قبل ذلك كن، فكان، فركّبه كما شاء وصوّره في الصورة المُقوّمة والصور المعدّلة.

ورب الأكوان والأبعاد، والأزمنة والآباد، والأزواج والأفراد، والعطاء والإمداد، والإسعاد، لمن أسعدهم بالسابقة المكنوزة والكلمة المُجْمَلَةْ.

ورب العطاء والمنع، والخفض والرفع،  ورب كل مرتبة في الخلق ومنزلة.

ورب التكوين والتصوير، والتخليق والتطوير، والتّسيير والتخيير، والاحاطة والتقدير، والتمكين والتسخير، للصفوة المتبتّلة.

 ورب البعث والنشر، والقيامة والحشر ، والفصل في كل أمر ومسألة.

ورب الساعة والقارعة، والصاخّة والواقعة، والصيحة والزلزلة.

ويا من يهب الوسائل، ويبسط المسائل، ويجيب السائل، ولا يردّ المسألة.

ويا من خلق الإنسان وصوّره وركّبه كما شاء وعدّله.

 وبعث كل نبيّ وأرسلَه. واجتبى كل وليٍّ وكان له.

وأثبت ما شاء، ونسخ ما شاء، وبدّله.

ويا من خلق محمدا الجميل وكمّله. وبنور الجمال والجلال أرسله.

أغثني بك غياثا لك، لا يقوم إلا بك، ولا يأتي إلا منك، ولا يصدر إلا عنك، فلا رب لي سواك لأسأله.

وأغثني بأهل الوسيلة الذين جعلتهم أبواب جلالك، ومفاتيح نوالك، ومعارج وصالك، وأهلا لذلك، بسابقة عهود وبنود مؤصَّلة.

 غير مُكره ولا مُرغم، ولا مقهور على شيء،  ولا مُشارك في أمرك. ولا مُشرك بك، ولا مُزاحم في ألوهيتك وربوبيتك وقدرتك وقهرك، بل لحكمتك ورحمتك، ومُطلق مشيئتك، وأسرارك العظيمة القديمة المفصّلة.

وبمقاماتهم ومراتبهم التي كتبت بيديك. وما حبوت كلاّ منهم من سرّ وجاه ووسيلة ودلال عليك. وقُرب إليك، ومنزلة لديك وفضل منك على القلّة المفضّلة، والثّلّة المبجّلة.

وبالمقرّبين والمُخلَصين والشاهدين، من الملائكة والروح والرواحين، وجنود النور النيّرين، والأنبياء والمرسلين، من ذرية آدم ومن كانوا قبله من السابقين، وبالأولياء والصالحين، أصحاب الدعوة المجابة والاستجابة المعجّلة.

وبأهل الذوق، وسادة الشوق، المرفوعين بك إلى فوق الفوق، أصحاب التوق، والقلوب الوامقة العاشقة، الصّابرة المتحمّلة.

 والألسنة الشاكرة والصدور الذاكرة، والعقول النيّرة المتدبّرة المتأمّلة.

وبأهل الذكر والتسبيح  والتهليل والحمدلة.

 وبإمام الأخيار، ومشكاة الأنوار، ولوح الأسرار، المحفوظ من الأغيار، المحظوظ في الأقدار، الملحوظ بالوقار، قمر العناية، ومعراج الولاية المكمّلة.

وبآله الميامين، سادة أهل اليمين، الصّادقين المُصدِّقين الصدّيقين، أهل الدعاء والرجاء، والصبر على البلاء، والفتن المُزلزلة.

وبالعرش والكرسي والأفق الأعلى.

 وبحر العزة، وجبل قاف، وما به يُعلى.

واللوح المحفوظ والبيت المعمور، وسدرة المجلى.

وبالحملة والحفظة والسدنة في قاب قوسين والمشهد الأجلى.

وبجنات الرضوان، وفراديس الجنان، وما ذرأت فيها من الجمال الأحلى.

وبقربك الأدنى، ونورك الأسنى، وكنزك الأغلى.

وبكل  عطاء وفضل أنت به أولى.

وبجميع ملائكتك، وأهل خدمتك، بالمقامات المعلومة، والرّتب المتسلسلة.

وبكل بذرة نور، وقطرة خير، ولمحة كشف، ونفحة فيض، وخمرة وصل، مشعشعة لأهل السّلسلة.

وبالكعبة والمشعر الحرام، ومدينة خير الأنام، وقدس الأقداس، وأرض اللطف، ودار السلام، وبكل ضريح لأهل قربك ومقام، وما جعلت للموصولين المقبولين، وللخيرة المتوسّلة.

وبكل باب لك ووسيلة فيما سلف وتقدّم.

وما دون ذلك وما فوق ذلك مما أنت به أعلم.

وما أظهرت أو أخفيت في الرصد والطي المطلسم. وبخواص الأسماء والاسم الأعظم.

وبأسرار القرآن والكتب الأقدم.

وما هبط من الوحي، وما الملك بأمرك نزّله.

وبكل ما أودعت فيه من بركتك وسرك ونورك ومددك. مما خلقت في البر والبحر والجو والجوف، بمحيط إحصائك وتعداد عددك.

وبمن بأنوارك متدثّرة، وبأسرارك متزمّلة.

وبحق حقك علي، وعهدك القديم. وسر سرّك لدي، وصراطك المستقيم. وفيض فيضك إلي، ومددك العظيم. وبالأدعية الموصولة المقبولة، والعبادة المتقبَّلة.

  وبما به جعلتني ممن عرفوك، وسجدوا لك وعبدوك، ولم يشركوا بك ووحّدوك،  وأحبو بك وأحبّوك. وفنوا عما سواك فناء المحو، في معراج النّحو، نحو ذاتك المجلّلة.

استجب لمن أتاك ولم يولّي، متوسّلا بمن عليه تُصلّي.

وامنح منح المتجلّي، للعبد المتخلّي، الذي عجِل إليك لترضى فتحنو وتُحلّي.

 وسجد لمن خلقه وبرأه، وأنطقه وقوّله.

والطف واعف، وجد وتكرّم، وارأف وتحنّن، وارض وارحم، ومُنَّ وأجزل، وأعط وأدهش، وحيّر بالعطاء فوق ما حسب العبد، وما عنّ له.

تباركت تعاليت، تعظّمت تقدّست، سُبّحت وُحّدت. يا من أجرى البيان وأجزله. وأدهش القلب وأذهله.

سبحانك سبحانك سبحانك.

سبحان ربي العظيم، ما أجمله[1].


[1] مدينة سيدي بوزيد الشريف. 25-05-2020

مقالات ذات صلة

الوظيفة المدنية
من الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية وأفضل أوقاتها فجر يوم الجمعة، ولا يضير في غير ذلك. ولها بحمد الله اثر عظيم يجده الذاكر حسب...
3 دقائق للقراءة
في شهود البيت العتيق
وأنت بجوار الكعبة المشرفة، تشهد المشهد العظيم، ترى بعينك الطائفين، وترى بقلبك الأولين، وتنظر بروحك إلى وجوه النبيين، من آدم الأول، بعد أن تاب...
3 دقائق للقراءة
الوظيفة المكية
من الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية، وأسميها ملجأ المضطرين، وقد ألهمني الله إياها بجوار الحرم المكي. تقرأ في جميع الأيام والمواقيت. ويفضل أن تكون...
3 دقائق للقراءة
عن الحق والباطل
كل فضيلة تقع بين رذيلتين.الكرم بين البخل والتبذير.والشجاعة بين الجبن والتهور.وكل حق يقع بين باطلين: باطل يحجبه، وباطل يسعى لتزييفه. هكذا حدثتني الروح، وهكذا...
< 1 دقيقة للقراءة
في مقام الوالدين
عظم الله قدر الأم، وأبان عن عظيم شرفها في كتابه، وأوصى الإنسان بوالديه ووصّاه ببرهما، فقال عز من قائل: ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ﴾ [العنكبوت...
2 دقائق للقراءة
وظيفة الاستغفار
وظيفة الاستغفارمن الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية العلية.مع صدق الرجاء وإخلاص النية في الدعاء، والتوجه القلبي الكلي إلى الله، والتوسل بمن للوسيلة ارتضاه.لها بفضل...
2 دقائق للقراءة
في حكمة القبض والبسط
في حكمة القبض والبسط والفناء والبقاء ومما يثير الدهشة في الحياة، قدرتها على التلون والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وهي في ذلك تأخذ...
2 دقائق للقراءة
رقية الشفاء
رقية طيبة مباركة بالدعاء والابتهال مع آيات الشفاء في كتاب الله ضمن نسق مما نفح به القلب.وهي بعون الله نافعة، مع عقد النية وتصحيح...
2 دقائق للقراءة
لقاء على بساط المحبة
على بساط المحبة والأنس بالله، كان لقائي بالشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية، وقد كان لقاء منفوحا بحب الله ورسوله، محاطا بسر أهل...
3 دقائق للقراءة
عن الطريقة الخضرية
قد يظن البعض ممن لم يطلع على الرسائل ، ولم يفهم المسائل، أن الطريقة الخضرية بدع من القول مما افترى على الأمس اليوم، وبدعة...
2 دقائق للقراءة