5 دقائق للقراءة
تونس: ملايين السنين: بحر لجي، وديناصورات عملاقة اكتشفوا بعضها منذ سنين قليلة، وغابات كثيفة، وأنهار وجبال: جنة فوق الأرض.
تونس: منذ آلاف السنين كان فيها بشر: حضارة قفصية، وحضارة قبلها ربما، أو حضارات.
تونس: جاء قوم من اليمن كما قيل: برا برا..فكانوا “بربرا”، أو هاجمهم الرومي فقال عنهم برابرة. ولعلهم أتوا من العراق أو مصر أو من غيرها، او نبتوا من تراب الأرض: “أمازيغ” وكانت لهم حضارة عظيمة.
تونس: أميرة فينيقية هاربة من ظلم أخيها في صور تطلب جلد ثور…تقصه ليكون مدينة، تصنع “عليسة” مجدها، وتولد قرطاجنة من النار، ويصل قائد جيشها إلى روما، ويخونه تجار قرطاج وسياسيوها الفاسدون، فيشرب السم بعد الهزيمة، ويحرث الرومي مدينته بالملح بعد حرقها.
تونس: يوغرطة وأميلكار وصدربعل وحنبعل والرومان والبيزنطيون والاسبان والكاهنة وخيول الجيوش العربية والعبادلة السبعة وحسان بن النعمان وعقبة.
تونس: الإسلام والقيروان والزيتونة: سيدي علي بن زياد والامام سحنون وابن عرفة الورغمي وابراهيم الرياحي وسالم بوحاجب وبن عاشور والثعالبي، وعدد لا يحصى من الصالحين والصالحات والمرابطين والمجاهدين.
تونس: دول تتبعها دول: أغالبة وفاطميون وحفصيون وبايات ودايات وأتراك وباب عال…
وقرون من التناحر بين الأمراء والقتل للأخ والعم والأب والولد لأجل الكرسي وهوى السلطان: وابن أبي الضياف صاحب كتاب الاتحاف خير شاهد.
تونس: ابن رشيق وكتاب العمدة، والحصري ويا ليل الصب، وابن خلدون وميلاد علم الاجتماع، وابن منظور ولسان العرب، وموسيقى الهاربين من الاندلس، وتواشيحهم وقصصهم الموجعة.
تونس: بلغت من المجد أن جاءتها البيعة من مكة، ومن الانهيار أن حكمها مراد بوبالة آكل لحوم البشر.
ومنها خرج المعز لدين الله الفاطمي ليبني القاهرة ويؤسس الأزهر.
ومنها خرجت فاطمة الفهرية لتنبي جامع القرويين بالمغرب.
وإليها جاء بوزيد الهلالي بالملاحم والقصائد، والخراب أيضا.
تونس وعهد الأمان الذي لا أمان له ولا أمان فيه: سقطت “تونس المحمية” في براثن الاستعمار البغيض والماكر:
عمل كبير لمعرفة الحقائق والدقائق عن الاستعمار والمستعمر وماذا فعل ومن الذين قاوموه وواجهوه وماذا أصابهم منه.
وعن رجال من أمثال علي بن خليفة النفاتي ودورهم ولماذا لم يتم ذكرهم وتم تغييبهم كليا.
وكذلك عن الخونة والعملاء ودورهم وهل استمروا فيه بعد خروج الجيش الفرنسي.
تونس وزغاريد الاستقلال: عمل كبير أيضا لفهم الكثير عن الاستقلال وما تم قبله وخلاله وهل تم فعلا بشكل كامل أم ان المستعمر خرج من الباب ورجع من ألف نافذة، والكثير من الملفات الغامضة لليوم والمستمر أثره في الثروات وفي سواها.
تونس ونظام الحكم الواحد واللائكية الشرسة: تاريخ للدراسة التي لا يغني فيها مطبل أعمى ولا حاقد أعمى، بل بصيرة مؤرخ نافذة وفكر استراتيجي عميق لأجل الحقيقة فقط.
تونس والتحول المبارك….هل كان مباركا…وعلى من؟
سنوات لها ما لها وعليها ما عليها…المتضرر الأساسي: التعليم والثقافة.
ولكن أيضا لم يكن المواطن مهددا في قوت يومه وكان للبلاد مكانة واقتصاد ورجال كثر عملوا من أجلها رغم كل شيء.
تونس تتصدر أخبار العالم: شاب يحرق نفسه…مدن تحترق…شباب يتحرق شغفا للحرية والكرامة والتشغيل ومستقبل أفضل..حركة لم يحركها أي سياسي في ظاهر الشارع وليس في سراديب المخابرات العالمية..تلك قصة أخرى…
هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية…بن علي هرب…لماذا وكيف ومتى تم القرار بجعله يهرب…هل في جانفي 2011 أم سنة 2003 في علاقة بمشروع كامل وعالم عربي جديد ومختلف وأكثر تقسيما ودمارا. وهل لهروبه علاقة بكونداليزا رايس وملف القواعد العسكرية ومصير ليبيا والجزائر؟
تونس والثورة العظيمة…ثورة الكرامة والحرية…الشغل…حياة أفضل لكل التونسيين…طلع البدر علينا…الخلافة السادسة…رجوع بورقيبة من منفى الذاكرة وتجدد الروح لدى أنصاره الذين لم ينصره منهم أحد لا في أواخر حياته ولا حتى في جنازته، التناحر الايديولوجي بروح الجامعة في الثمانينات وتمزق المجتمع بتأثير أهل السياسة.
تونس والنتيجة العظيمة: آلاف يغرقون في البحر، وآلاف آخرون يعبرونه إلى المجهول، ومهاجرون من الصومال رفضوا إنقاذهم إلى تونس: الموت في البحر أرحم.
تونس و”الربيع العربي”: آلاف من الشباب التونسي في داعش، بعد خيام دعوية ودخول مشايخ الوهابية بنشيد “رجع الاسلام الى تونس”، وشبكات تسفير وتواطؤ وضرب للأمن القومي العربي والسوري والعراقي والليبي والجزائري والتونسي وفتح أبواب الخراب على تلك الدول بأيد “ثورجية جدا ومؤمنة للغاية”.
إرهاب يقتل من أمننا وجيشنا ومواطنينا وسياسيينا وسياح بلادنا، ثم يقتل ثم يقتل، رغم بسالة القوة الأمنية والعسكرية وشجاعة الأحرار الذين واجهوا بالفكر والاعلام والتوعية وكنا منهم بل كنا أوائلهم.
التردي تلو التردي: سقوط الدينار، سقوط التعليم، سقوط المؤسسات العمومية وإفلاسها، سقوط القيم، مسلسلات عن المجرمين والدعارة وبرامج هتكت كل مستور وفضحت شعبا كاملا، جمعية وإذاعة للشواذ، مشروع لتقنين الشذوذ ونفي الدين وفتح باب الالحاد الهدام، قطار يجري بلا سائق، سلفي “على خطى الصحابة” كما سول له الوهم ينزع العلم من فوق كلية الآداب ليضع العلم الداعشي، وفتاة “متألقة” على خطى الحرية والتطور كما صور لها العقم ترقص شبه عارية بالعلم الوطني احتفالا بعيد الجمهورية.
حكومات فاشلة، بعدها حكومات أكثر فشلا، أزمة سياسية، غياب للرؤية، تهميش لأصحاب الفكر، تحطيم لمعنويات الناس، جرائم فظيعة، حقير يحطم أنبوب ماء لتغرق مدن في الظمأ، وقرى تنفق فيها الأبقار عطشا ويبحث الناس عن جرعة ماء فلا يجدونها.
تونس: القطار الذي يجري مجنونا بلا سائق والناس فيه يصرخون.
تونس: مقام الولي الصالح الذي يحرقه جاحد أو يستحوذ عليه جاهل.
تونس: الراعي الذي جدعوا انفه وقتلوه ولم يصلي عليه أحد، وتجاهله أهل السياسة والحكم، ونسيه شعبه بعد يومين فقط.
تونس: الماشية التي تنفق من الظمأ، والعجوز التي تبكي على أيام بورقيبة وبن علي: على الأقل كنا نشبع في بطوننا.
تونس: الشاذ الذي يصبح بطلا، والتكفيري الذي يتخذه سببا لقتل شعب كامل، والمفكر والمثقف الأصيل والمعتدل الذي يلقون به في ركن من أركان الاهمال والنسيان.
تونس: بوابة الجحيم التي خرج منها أبالسة الارهاب يقتلون أهل الشام وأهل العراق ويفجرون ويخربون، ثم رجع من رجع منهم سالما بلا حساب ولا عقاب، وذكر كثير منهم أنه كان يعد بحث دكتوراه في أوكرانيا أو أنطاكية حسب زعمه، ولكن الشهادة كانت فعلا معه!!!
تونس: بوابة الربيع العبري الذي خنق كل ربيع عربي، بأيد تونسية وخيانات تونسية من السفح إلى القمة، وكنا على ذلك من الشاهدين.
تونس: الشعب الذي ينسى بسرعة، ولا يذكر الارهاب إلى إذا أصابه منه وابل، ثم ينساه مجددا، وتنسى الدولة والقائمون على الدولة، ليبقى الجريح مهملا، وتبقى أسر الشهداء تعاني الفقر والحرمان.
تونس: السياسيون الماهرون في الكذب، البارعون في النفاق، المتزحلقون إلى المكاسب، المتسلقون إلى المناصب، إلا من رحمه ضميره، وأنقذته بصيرته، وما أقلهم وما أغربهم في غابة الدجل السياسي. وفنان يصرخ باكيا بصرخة شاعر – وهي صرختي – :خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن.
وتونس رغم كل ذلك: تنتظر لطف خالقها، ويقظة أحرارها، وفطنة حرائرها، وفزعة صالحيها، ورجالا يحكمونها بما يرضي الله وما يرضي الوطن.
ونحن لأجل ذلك صابرون وله منتظرون وفيه ساعون، سواء كان الموج مواتيا، أو حاربنا التيار كله: يمينا ويسارا.
والله ولي من آمن واتقى، وكذلك الوطن.
سوسة
27/07/2018