3 دقائق للقراءة
“أرجوك، لا أستطيع التنفس. رقبتي تؤلمني، كل شيء يؤلمني. إنهم سيقتلونني”.
بهذه الكلمات انتهت حياة جورج فلويد (46 عاما)، الامريكي من أصل افريقي، تحت ساق شرطي ابيض تعمد الضغط على رقبته لقرابة العشر دقائق. وكان يرى أن جريمته يتم تصويرها من المارة لكنه قتله بعجرفة وتلذذ وفخر، بحراسة ثلاثة من زملائه منعوا أية مساعدة له.
لم تكن هذه من سيناريو احد أفلام هوليود، بل مشاهد حقيقية وصادمة في بلاد صدّعت رأس العالم بالكلام عن حقوق الإنسان ومبادئ الحرية والعدالة.
قتل جورج فلويد على يد شرطي عنصري وما اعقبه من مظاهرات في الولايات المتحدة ليس سوى مظهر من مظاهر عودة العنصرية بقوة.
وبالرغم من مواقف السياسيين المنددة، وعلى راسهم الرئيس السابق باراك أوباما، وعدد كبير من نجوم السينما والفن ومشاهير الاعلام، فإن الرئيس العبقري دونالد ترامب لم يكترث، وقال في تعليقه على المظاهرات أنها فوضى يقوم بها مجموعة من الخارجين عن القانون.
مما ساهم في مزيد تأجيج الغضب والعنف والفوضى في ولايات ومدن كثيرة (من مينيسوتا الى نيويورك وواشنطن). ودفع عددا كبيرا من الغاضبين إلى التظاهر بجوار البيت الابيض.
تصريحات ترامب وتعليقاته على تويتر كانت شبيهة بسكب البنزين على النار. ومما كتبه: “لو استمر المتظاهرون بجوار البيت الابيض فإن القوات الخاصة ستهاجمهم بالكلاب وشتى الاسلحة الموجودة. أنا كنت اتابع ولم أشعر بمثل هذا الأمان في حياتي”.
إن ذكر استخدام الكلاب يذكر بممارسات عنصرية ضد السود حين كان مطاردوهم يسلطون عليهم الكلاب تنهشهم أحياء. والكلام عن الشعور بالامان يمثل عقل إقطاعي جبان زمن العبودية.
وإن كلامه العنصري المتشنج والاخرق يهدد جذريا بتقويض السلم الاجتماعي الهش في بلاد يمتلك المواطنون فيها من الأسلحة المنزلية ما يكفي لإشعال حرب.
إدانة القاتل الحقير(كما تم توصيفه من كثير من المواطنين والمشاهير) ديريك شوفان بالقتل من الدرجة الثالثة (قتل غير متعمد)، رغم توثيق جريمته وانتشار ذلك عالميا، يكشف مدى تورط النظام القضائي والأمني الامريكي في العنصرية. واعتقال مراسل CNN عمر جيمينيز Omar Jimenez من قبل الشرطة في منيابوليس حيث تم قتل فلويد، وهو في بث مباشر، مع بقية فريق القناة، ضرب غير مسبوق لحرية الصحافة في أمريكا التي لم يسبق ان أهان الصحفيين مسؤول فيها مثلما فعل الموقّر ترامب.
وإذا أضفنا إلى هذا احتمال حدوث فتنة تذكي نار العنصرية الكامنة، واحتمال ردات فعل عنيفة للامريكان الافارقة الذين سئموا العنصرية ولن يسمحوا برجوع ما يشبه العبودية بعد مسيرة نضال لقرون وأعمال قادة سياسيين كبار من مارتن لوثر كينغ إلى أوباما اول رئيس امريكي من أصول افريقية. فهذا سيكون تهديدا جذريا للامن القومي الامريكي.
فإذا تصاعدت موجات الغضب من الامريكان الافارقة مع من سيدعمهم، خاصة الامريكان من اصول مكسيكية الذين يتعرضون للظلم أيضا، ووجود قدرة لدى هؤلاء على ردود فعل قد تصل إلى استخدام السلاح، ثم تفشي تلك الفتنة في الجيش نفسه حيث توجد فيه مختلف الاعراق مما قد يهدد تماسكه وروحه المعنوية، إضافة إلى تداعيات كورونا الكارثية التي فقد بسببها الالاف حياتهم والملايين وظائفهم ومساكنهم.
وإذا اضفنا إلى ذلك ان المظاهرات ستفاقم من عدوى كورونا ومخاطرها، وأن كل ذلك لسبب أساسي هو حمق ترامب وسوء ادارته، وتصريحاته العنصرية ودعواته لاعادة الأفارقة وغيرهم من الأعراق من حيث جاؤوا، مثل تصريحاته ضد عضوتي الكونغرس إلهان عمر المسلمة ذات الاصول الصومالية ورشيدة طليب المسلمة ذات الاصول الفلسطينية.
فإن الملخص لكل هذا كارثي تماما.
“كل أمة تحمل بذور هلاكها”، هكذا قال العلامة ابن خلدون.
وأنا ارى بوضوح (كما رأيت منذ وصوله للحكم)، أن ترامب العنصري، البغيض (كما وصفه النجم الأمريكي ذو الاصول الايطالية روبرت دي نيرو) والفاشل في إدارته لجميع الملفات والذي تسبب تصريحاته ليس فقط الحنق والفوضى والكراهية، بل السخرية ايضا (يمكن متابعة حلقات الإعلامي الكوميدي الامريكي الشهير ذو الاصول الجنوب أفريقية تريفور نوح التي يسخر فيها من ترامب) ، هو بذرة هلاك يهدد وجود امريكا في العشرية القادمة، وتفوقها الاقتصادي في السنوات الثلاث التي ستأتي، لتكون الصين في الصدارة.
وهنالك عوامل اخرى يطول شرحها.
وكل ما سلف سيكون له اثر كبير على دول العالم وعلى المحاور والتحالفات وتوازنات القوى، والتي بدأت بالفعل.
فالاتحاد الاوروبي مهدد بالزوال بعد ما كشفته كورونا من هشاشة فيه وأنانية لدوله، بلغت حد السطو والقرصنة على الكمامات والمعدات الطبية، وكذلك التخلي عن ايطاليا في محنتها. وغيرها من الآثار والارتدادات العالمية لما بعد كورونا.
وأنا على يقين معرفي واستراتيجي ان ترامب هو الذي سمح باستخدام الوباء الفتاك كسلاح مع بعض القادة المتآمرين والتابعين للتنظيم الاوليغارشي(١) العالمي (السياسي المالي العقائدي) نفسه.
هذا غيض من فيض، وإن غدا لناظره قريب.
__
سوسة 02-06-2020