3 دقائق للقراءة
اللهم إنّا نشهد أنك أنت الله.
كما قلت عن نفسك.
وكما نزّلت في كتبك، وعلّمت رسلك.
وكما أطلعت ملائكتك، وكشفت لصفوة خلقك.
وحدك لا شريك لك، ولا شبيه ولا نظير.
تعاليت أن تدرك الأفهام أو تتصورك الأوهام.
سبحانك أنت كما أنت وليس مثلك شيء.
فطرت السماوات والأرض وما مسّك من لُغوب[1]. وجعلت سرك فيما ذرأت، وكنت بكل شيء محيطا.
وخلقت الخلق فلم تعيَ بخلقهم، ورزقتهم فلم تفتقر برزقهم.
وأحصيتهم عددا، وأمددتهم مددا، ورصدتهم رصدا، فلم تغادر منهم أحدا.
وأنت أحييتهم، وأنت تميتهم، ثم تحييهم، ثم تحشرهم إليك.
ومن شيء إلا أمره بين يديك.
ولا من مخلوق إلا شأنه عندك ورزقه عليك.
اطلعت على ضمائرهم، وعلمت بمصائرهم، وكل ذلك بكلمة سبقت منك، أو حقّت من لدنك.
وأنت أنت، لا تحويك الأمكنة، ولا تطويك الأزمنة.
ولا تبديل لكلماتك، ولا محصي لها سواك، ولو كان البحر مدادا وما في الأرض من شجرة أقلام لما نفدت تلك الكلمات[2].
يا من باللطف تحلّى، وبالنور تجلّى، وكشف الحجاب لمن شهِد وشاهد وتملّى[3].
سبحانك.
ما أعظم أن تذكر عبدا لك فيذكرك، وتلهمه الشكر فيشكرك.
وما أكرم أن تجزل على النعمة شكر النعمة.
وما آنس قربك من روح من أحببته فأحبّك.
وما أجلى عرفان من عرّفته بك فعرفك، ثم عرّفته به فعرف نفسه.
ثم عرّفته بخلقك فعرفهم، فلم ير الوجود إلا بسر الموجد، ولم يلحظ العباد إلا بأنوار المعبود.
ولا انكشف له أمر العبيد إلا بسلطان قاهر العبيد.
وأشرق نورك في قلبه، فأشرقت فيه شموس المعارف. وأنارت أقمار العطاء في حاله ومقاله فعرفه كل عارف.
سبحانك ما ألطف حنانك، وما أرق تحنانك.
أنت الذي جعلت الندى في خدود الزهور. وجعلت الماء لطيفا، والضوء شفيفا.
وجعلت في الأعين دمعة، وفي القلوب رأفة.
وأنت مولى العشاق ورب العاشقين، وقبلة الوامقين، ومقصد الواثقين.
الذين اشتاقوا إليك، واشتاقت لهم الجنة.
وحق جلالك، وجميل وصالك، ما رأوا من جمال الجنة شيئا حين أشهدتهم جمالك. ولا شغفهم للحور وصل حين ذاقوا خمور أنسك، وجلسوا في مجالس أنسك.
ثم رددتهم إليها مردا حسنا، فكنت جنة قلوبهم، وكانوا في جنة رضوانك.
وسجدوا لك سجود من أحييته حياة لا موت بعدها، وأسعدته سعادة لا شقاء بعدها، وقرّبته قربا لا بُعد بعده، ووصلته وصلا لا فصل بعده.
فاجعلني بكرمك ولطفك وعفوك من هؤلاء.
وأفرغ علي من لطيف نور جمالك ما يشد عضد قلبي لجلال أنوارك الجلالية.
وأمدني بمدد منك ما لا له من نفاد.
وعلمني علما يزيدني منك قربا.
واقبلني قبولا لا تبلغه حسناتي، ولا تمنعني عنه سيئاتي.
حتى يشهد كل كلي وبعضي شهادة العارفين بك.
وحتى لا يكون فيّ نفس إلا وهو لك وبك ومنك وفي سبيلك.
وحتى لا يمر علي لمح ولا تمضي من حياتي لحظة إلا وأنا في عين عنايتك وكنف وقايتك وأنس قربك.
يا من أطلعني على ما في الطّي، واطلع على ما في نفسي ولا يخفى عنه شي.
صل على ﷴ وآل ﷴ
وارفعني مقاما عليّا.
بجاه من كتبت اسمه في اللوح أحمد وجعلت وصيّه عليّا[4].
[1] إشارة لقوله جل شأنه:﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبࣲ﴾ [ق ٣٨] واللغوب الإعياء.
[2] إشارة لقوله سبحانه: ﴿وَلَوۡ أَنَّمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَـٰمࣱ وَٱلۡبَحۡرُ یَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرࣲ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَـٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ [لقمان ٢٧]
[3] تملّى: نظر مليّا، مطوّلا. / تَمَلَّى :(معجم الرائد): تملى – تمليا – (فعل) 1- تملى : عمره : طال عمره واِستمتع به. 2- تملى الأصحاب : تمتع بهم.
[4] سوسة 10-06-2020