الكتاب الثامن لسلسلة المشكاة هو كتاب الدعاء وفيه بعض من الأدعية المباركة التي نفعني الله بها بعد أن ألهمني إياها بين عامي 2006 و2020.
كتاب فيه خير كثير لمن قرأ بلبّه ودعا بمجامع قلبه. أرفقته بعض الصور التي لي من ورائها حكمة وغاية.
وهذه مقدمة الكتاب:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم﴾[1]
كتاب الدعاء هو الكتاب الثامن من سلسلة المشكاة المباركة الذي خصصناه للأدعية المرسلة بعد أبواب الحمد والتسبيح والتوسل والتحصين والشفاء.
وهي بعض من أدعية بين أواخر عام 2006 والعام الذي نحن فيه (2020).
وقد دعوت بها في أمكنة شتى (تونس، ليبيا، الشام، مصر، المغرب، الهند، بنغلاديش، أندونيسيا، وصولا إلى مكة المكرمة ومدينة الحبيب). وكثير من الأدعية كانت في مقامات الصالحين بنفح أنفاسهم.
ودعوت بها كذلك في ظروف مختلفة حد التناقض بين الخفض والرفع، القبض والبسط، الرخاء والبلاء، والمنحة والمحنة.
وقد جربت أثرها وخبرت أمرها ووجدت من بركة الأدعية ما عاينته بعد ما عانيته.
فالدعاء باب من الله إلى الله، و﴿الدُّعاءُ مُخُّ العِبادةِ﴾، كما وصفه نبي الدعاء وصدق الرجاء عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
وقد ضمن ربّه وربّنا سبحانه وتعالى لأهل الدعاء فتح باب الاستجابة. ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم﴾[2].
وتلك لعمري بشرى عظيمة، ويد لله على الخلق كريمة. وللداعي أن يدعو بما شاء، ولله أن يستجيب لما شاء على ما يشاء في الأجل الذي يشاء.
وللدعاء سر عجيب وأنس كبير، إذ أنه يهب السكينة والطمأنينة، خاصة إذا كان في السحر وقد هدأت حركة الناس، أو في صلاة الفجر، وعند السجود، وساعة الصفاء مع الله، وعند غلبة الدمع وفيض الإحساس، وهو أصدق ما يكون مع البلاء، وكلك ينبغي على الداعي في حال الرخاء أن يستجمع خشوع قلبه وأن يتضرّع لله الذي قال: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ` ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ `وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[3].
وإن استشعار قرب الله، والشعور اليقيني أن يسمع ويرى ويستجيب، يجعل للدعاء قوة أكبر في قلب الداعي به، مع ما يلقي الله من أذواق وأشواق وفهوم تنجلي في جزالة لفظ وجمالية معان ومتانة مبان وبديع بيان.
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[4].
والدعاء على ذلك علم رائع، وفن ذوقي وأدب رفيع، يسمو بالنفس ويرتقي بالروح، ويملأ القلب أملا.
ولم يبعث الله نبيا إلا وعلّمه، منه وما من ولي إلا وعلِمه.
ولنا في القرآن من نماذج أدعية الأنبياء والصلحاء الكثير، كما لنا في سنة الحبيب المصطفى من الحث على الدعاء ومن الأدعية المأثورة عنه وعن آل بيته خاصة الإمام علي عليه السلام، وما له من أدعية عظيمة قيّمة، فيها أثر ما انطبع في روحه وقلبه من هدي إمامه وسيده عليه وعلى آله الصلاة والسلام، أو ما تلقاه عن السيد الخضر مثل ما يُعرف بدعاء كُميل بن زياد. وكذلك الإمام السجاد عليه وعلى آبائه وذريته السلام، الذي جعل الدعاء سلاحا يواجه به الظلم وشعوره بالوجع المستمر بعد ما شهده في كربلاء. لتبقى الصحيفة السجادية آية من آيات الله في بعض ما أظهر من سر آل بيت نبيه.
ثم ما كان من رقائق الأدعية عن العارفين والصالحين الوارثين لسر الآل وسر إمام الآل وسيدهم. فيجد الباحث في آثارهم الكثير من الدرر والأدعية المباركة. وكل ذلك كنوز عظيمة من فيض كلمات الله التي لا تنفد، وهذا الكتاب نفح من ذلك العطاء الرباني العظيم، في أدعية بدأ فيضها سنة ألفين وسبعة، واستمر إلى اليوم، وسيتسمر بعون الله بقية العمر.
ونفح في قلب محب لله، دعا الله وتضرع له في يومين:
يوم ضُرّ لم يكشف ضُرّه إلا الله.
ويوم يسر لم يكن إلا بفضل الله.
فلا زاده الضرّ إلا تسليما ويقينا.
ولا زاده اليسر إلا شكرا وذكرا وحبا.
فاقرأ بقلبك، واسأل الله الاستجابة.
﴿ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب ۩﴾[5]
[1] سورة غافر الآية 60
[2] سورة غافر الآية 60
[3] سورة الأعراف الآيات 54-56
[4] سورة البقرة الآية 186
[5] العلق الآية ١٩