3 دقائق للقراءة
أذكر بكثير من الضباب كلمة الناطق باسم الجيش الامريكي يوم احتلال العراق، وأستحضر من تلك “الكلمة” التي قالها بلسان عربي معوج كلمة واحدة مثّلت بشارتهم الكبرى للشعب العراقي وشعوب المنطقة: “الهِرِّيَّة”.
ولقد كان يعني “الحُرّيّة”، مبشرا انهم اتوا على دباباتهم يحملون الحرية للمواطنين عامة، وللمرأة خاصة، وهذا الموال رددوه بأشكال مختلفة، سواء في حربهم الناعمة عندما حملوا ملابس الحرية التي تزدان بها الشواطئ والملاهي والافلام والمسلسلات والكليبات وغمرت كل مكان، او حربهم المدمرة لتشرق شمس حريتهم فوق الجثث والخراب وملايين الأرامل والأيتام.
والحقيقة ان الناطق الأمريكي في تلك الكلمة لم يخنه البيان فنطق الحاء هاء، بل نطق بالصواب من حيث لا يدري، فهو اتى فعلا بالهرية التي لا علاقة لها بالحرية، وما بين الحاء المرفوعة التي ترى بها الرجل الحُر الذي يانف الضيم، والمرأة الحُرة التي تجوع ولا تأكل بشرفها، وبين الهِر الديوث الذي لا شرف لها، والهِرة التي لا تبالي باي حرمة ولا تخجل او تستحي وتاكل بثدييها على التخمة، مسافات شاسعة واسعة، ولو زاحم “الأهرار” الأحرارَ في الماء والهواء والرزق والوطن.
هو زمن الهِرِّيَّة بلا منازع، حتى صرنا نراها في كل شيء، وحتى صار ابناؤها وبناتها يسرقون منا كل معنى جميل: الفن وقصيدة الشعر والأغنية وقصص الحب وحتى شهر رمضان، فهو بات شهر الهِرِّيَّة وميدان التهرّر الأوسع، فيتنافسون على تزيين كل رذيلة وجعل الهر بطلا والهرة قدوة.
الأهرار اليوم سرقوا ما للأحرار من مجد، بل تراهم يتقمصون ادوار الأبطال ويسبون المقاومين الحقيقيين. فأبطال ديجيتال الهِرِّيَّة الافتراضيون يبشرون بهرّيّة فلسطين وتهرير القدس، كما هرّروا بلداننا وفتحوا اوطاننا للناكح الأجنبي بكل أشكاله الناعمة والخشنة، لتكون “النكوحات” انتقاما تاريخيا لزمن الفتوحات التي كان فيها ايضا نكوحات خليفة حقير استغل دماء الجنود المسلمين لينكح الجواري بالآلاف (كجواري المتوكل العباسي، او صاحب غرناطة يوم سقوطها) حتى يقول قول هشام بن عبد الملك: “اتيت النساء حتى لا ابالي جدارا اتيت ام امراة”.
إن مشروع الشرق الأوسط الجديد مشروع هرية بامتياز، وكل التهرر الذي نشاهده في الشارع وفي كل مكان وفي الإعلام خاصة سيما في رمضان دليل على نجاح المشروع.
وقد يكون التهرر ناعما نعومة نفس الديوث ورخصا رخص جسد الغانية، ونرى من يرقصون على طاولة الصهيوني، ونشاهد الدياثة بشرف الأمة من ملوك وامراء، وتختنق ارضنا وافق سمائنا بجيف الشواذ الناعمين والفسَقة المتهررين، أو الملاحدة العدميين وعبدة الشيطان الملاعين، او يكون تهررا خشنا حين يوهمون بعض الهررة أنهم على خطى النبوة ضمن قانون الفعل المضاد كموجة ارتداد لزلزال التهرر الناعم، وهنا تكون الهِرِّيَّة سوقا للجواري وجهاد نكاح وشذوذا لشد ظهور المجاهدين وآلاف الرضع لا يُعرف لهم اب واغتصاب الحرائر وفعل الموبقات تحت وهم الشريعة مع ما يرافق ذلك من تكفير وتفجير.
والحقيقة أن الأمر محير: ايهما اشد قسوة: تهرر الدواعش في وهم الملاحم والفتوحات، ام تهرر الدواعر في نهم اللحم والنكوحات، وكلاهما خلفه الخراب والدمار، ولكن العدو الذي يفجر يمكن القضاء عليها عسكريا ولو بعد زمن، لكن كيف تحارب العدو الذي يخرب الاخلاق والقيم ويقتل الحرية في ضمائر الشباب والشابات ليمسخهم شواذا حقراء وخونة لا ضمير لهم ويحولهم من احرار إلى اهرار؟.
أليست الدعوَشة على قسوتها ارحم من الدعوَرة؟
زمن الحرية الذي مات محترق القلب ربما يرجع، وفي انتظاره، فلنستمتع بهرية شعوبنا العظيمة، ما دام الأحرار مقصرون في واجبهم ولا يعون في المجمل خطورة الأمر.
تهررا رمضانيا طيبا إذا مع مسلسلات أدعر ومجتمعات أهرر، وكل عام والهِرِّيَّة بخير!!!!
سوسة
26/05/2018/ 10:45