4 دقائق للقراءة
من كتابنا: الفاتحة في أحكام الفاتحة
﴿اسم﴾
الاسم أول الكنه، وخزانة المعنى، وصفة المبنى.
وباب الذات، ومفتاح الحقيقة.
فليس الاسم عبثا، ولا الـمُسمّي بعابث.
وله علم الأسماء كلها، وما خلق خلقا إلا سمّاه.
والاسم أولي المعرفة، فأول ما يُعرف وما به يُعرّف الاسم.
وأعظم الأسماء أسماء الله الحسنى التي يُدعى بها.
﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُوا۟ ٱلَّذِینَ یُلۡحِدُونَ فِیۤ أَسۡمَـٰۤىِٕهِۦۚ سَیُجۡزَوۡنَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾[1].
﴿قُلِ ٱدۡعُوا۟ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُوا۟ ٱلرَّحۡمَـٰنَۖ أَیࣰّا مَّا تَدۡعُوا۟ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَیۡنَ ذَ لِكَ سَبِیلࣰا﴾[2].
﴿ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ﴾[3].
﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَـٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾[4].
وأول ما علمّ الله سبحانه آدم بعد خلقه علّمه الأسماء[5].
﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾[6].
فالإسم وسم، وله في الذهن رسم، وتمثّل يستشف من خلاله معنى المسمَى وكنه ذاته أو صفاته.
﴿ الله ﴾
الله أول أسمائه، ومنتهى سر استوائه.وباب سره وعطائه. وهو اسمه سبحانه، لا يكون لغيره، ولا ينادى به سواه.
ولم يجعل لشيء مما خلق ذلك الاسم، إنما جعل كل ما خلق تحت ذلك الإسم.
وهو أوّلي، فأول اسم ظهورا وصدورا ونطقا وكتابة وكونا هو اسم الله العظيم الحكيم.
فاسمه أول اسم، واسمه أعظم اسم، واسمه أكبر الوسائل إليه.
ومن عرف اسمه حقيقة المعرفة كان به موصولا اتصال الباء بالاسم، ووصل الاسم بالـمُسّمى.
ومن كتب في قلبه اسمه جرّه إليه جرّا.
واسمه سبحانه (الله) في توسل الخلق به له مجال وتجليات.
فمن نظر في الكون وبلغه أن في الناس من يتخذ من دونه الله إله قال: ﴿ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ﴾[7]
فدخل باب النفي والإثبات وقال: ﴿ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ﴾[8]
ومن اقترب إلى عين جماله، ودخل في كنف جلاله، وذاق من سر وصاله.
تجلى عليه المحبوب، من خلف حجب الغيوب.
فقال: ﴿ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ ﴾[9].
فعرف الله، ونزّه الله، وصحح الاعتقاد في الله، وفاز بمدد من الله، وحظي بنظرة الله.
ومن رجع من حال الخلوة، إلى مقال الجلوة، محدّثا عن الله بعد أن جلس في مجالس أنسه، وذاق من خمور قدسه، حدّث فقال: ﴿ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ﴾[10]
ولكل منهم حكمة وحُكم.
والله هو الله، على مطلق التسبيح والتنزيه.
﴿ سُبۡحَـٰنَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَاحِدُ ٱلۡقَهَّارُ﴾ [الزمر ٤]
وهو الله، لا مثيل ولا نظير ولا شبيه.
﴿وَهُوَ ٱللَّهُ فِی ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَفِی ٱلۡأَرۡضِ یَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَیَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ﴾ [الأنعام ٣]
﴿وَهُوَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِی ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [القصص ٧٠]
فمن قال هو الله فقد أيقن أنه لا يُشار إلى سواه، ولا يشبّه بسواه.
ولا كفؤ له ولا قادر عليه، ولا غالب له.
ولا يعزب عنه من خلقه شيء، ولا يستغني عنه من خلقه شيء، ولا يقدر عليه من خلقه شيء، ولا يُعجزه من خلقه شيء.
فذلك ما يردده الملكوت، والملائكة ذوي السجود والقنوت، وذلك قول الله عن الله، تعالى الله تعالى الله تعالى الله.
وكل ما خلق الله مخبر عن الله، أن الله: هو الله.
﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ ` هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَیۡمِنُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یُشۡرِكُونَ` هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَـٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾[11].
﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾
الإسم الأول الأعظم. وأعظم ما يبتدأ ويفتتح به.
وهو الاسم الذي تبارك وتبارك مُسمّاه ونزلت البركة على من ذكر الله به وناجاه.
﴿تَبَـٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِی ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ﴾[12].
وهو الاسم الأعظم الأول للذكر، فبذكر اسم الله سبحانه تطمئن قلوب المؤمنين.
﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾[13].
وذكر الإسم فرع من ذكر الله وفيه أسرار عظيمة.
وأعظم الذكر في ذكر الأسماء الحسنى ذكر اسمه (اللّه) جل في علاه.
وهذا من أمر الله لنبيه الذي اصطفاه، فدعاه لذكر اسمه في مقام المزّمل أول فيض الفتح القرآني، ثم جعل ذلك له منهاجا إليه وسبيلا دله عليه ليكون ذلك للمؤمنين والذاكرين دليلا.
﴿وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَیۡهِ تَبۡتِیلࣰا`رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِیلࣰا﴾[14].
﴿وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا﴾[15].
واسم الله باب الفتح الأعظم، فمن قرأ باسم الله لقّنه الله من أسراره ووهبه من أنواره.
والقراءة تدبّر وتفكر في صفات الله ونظر في آياته في خلقه وفيما نزّل من الذكر.
ومستهل الفتح المحمدي كان باسم الله في ضمة اقرأ بغار حراء الأنور.
﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ﴾[16].
فمن قرأ باسم الله فتح عليه الله.
وكل شيء مسبّح لله العظيم، باسمه العظيم.
وبذلك أمر الله العظيم نبيه الكريم ذا المقام العظيم.
﴿فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِیمِ﴾[17].
واسم الله هو الاسم الأعلى، لله الأعظم الأعلى، ومن ذكر الاسم وسبّح به رفعه الله مقاما أعلى.
ولذلك دعا نبيّه ذا المقام الأعلى.
﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ [18].
وكل ما ذُكر اسم الله عليه طيّب، لأن الله طيّب.
﴿فَكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔایَـٰتِهِۦ مُؤۡمِنِینَ﴾[19].
وما لم يُذكر اسم الله عليه فهو خبيث، لأن غياب نور اسم الله يورث الظلمات والخبائث.
ولأن ذكر اسم غير الله على ما خلق الله شرك وكفر بالله، وفسوق عن أمره.
﴿وَلَا تَأۡكُلُوا۟ مِمَّا لَمۡ یُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقࣱۗ وَإِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ لَیُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕهِمۡ لِیُجَـٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾[20]
وعليه فإن ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ تعني اجتماع الأوليات من باء أولى أولها نقطتها وأول حالها انكسارها وأول معناها الجر والتوسل إلى الاسم أول الكنه إلى الله أول الأسماء وأعظمها. فهو استفتاح باسمه سبحانه وتعالى الأعظم الأول وتوسل بسر اسمه وتقرب إليه جل في علاه، فبسم الله هي مفتاح الفاتحة.
[1] الأعراف الآية ١٨٠
[2] الإسراء الآية ١١٠
[3] طه الآية ٨
[4] الحشر الآية ٢٤
[5] وتجد كنه وسر تلك الأسماء في كتابنا: الرقيم المعلّم من كلام المعلم.
[6] البقرة الآية ٣١
[7] النمل الآية ٦٣
[8] محمد الآية ١٩
[9] الأنبياء الآية ٨٧
[10] البقرة الآية ١٦٣
[11] الحشر الآيات 22-24
[12] الرحمن الآية ٧٨
[13] الرعد الآية ٢٨
[14] المزمل الآية 8-9
[15] الإنسان الآية ٢٥
[16] العلق الآية ١
[17] الواقعة الآية ٧٤
[18] الأعلى الآية ١
[19] الأنعام الآية ١١٨
[20] الأنعام الآية ١٢١