3 دقائق للقراءة
بغض النظر وافقناه أو خالفناه في جزئيات من المسائل أو كلّياّتها.
وبغض النظر عمّا يقوله الذين لم يساندوه من البداية، أو الذين ساندوا بحماس ثم تغيّر موقفهم، أو المساندين له إلى الآن.
رئيس الجمهورية هو رئيس للجمهورية بما تعنيه وما تمثّله، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وله قيمته الرمزية حتى لو كانت صلاحياته محدودة عبر نظام حكم برلماني أو شبه برلماني تم زرعه ليسهل التلاعب به.
ما حدث في البرلمان من عنف يمس الأمن القومي للبلاد في العمق.
التجاوز إلى ذلك الحد في حق رئيس الجمهورية إهانة لكل ما يمثله منصب الرئيس وللقوات المسلحة وللشعب الذي انتخبه بأغلبية كبيرة.
لكن السؤال الأكثر إيلاما: من يستطيع إيقاف المهزلة؟
ومن يمكنه وضع حد لهذا التردي في المشهد البرلماني والسياسي والإداري والمؤسساتي لبلاد “ثورة الياسمين”.
الديمقراطية على جمالها ورحابتها أمام ضيق الديكتاتورية وتعسف الحكم الفردي، قد تكون فخا قاتلا حين يتم التلاعب بها وتحويلها إلى سبب للدمار لا للبناء، وللفوضى لا للنظام.
الحرية تاج كل وجدان إنساني، لكن الحرية العابثة، حرية الخراب أخطر آلاف الأضعاف من القيود مهما كانت قاسية.
كل قطاع يريد حقوقه، فيكون الإضراب، ويضر ذلك بمصالح المواطنين ويعطّل المجتمع ويزعزع الأمن القومي للبلاد، من إضراب القضاة وآثاره العميقة والخطيرة، إلى توقف توزيع الغاز الذي جعل حياة الكثيرين تتحول إلى جحيم.
نعم من حق كل قطاع أو سلك أن يطالب بحقوقه في ظروف استثنائية مثل وفاة قاضية شابة بمرض كورونا لأنها لم تجد ثمن العلاج في مصحة خاصة، هذا مؤسف ومؤلم ومخيب للآمال حقا في بلاد كان من النظري أنها تبني جمهوريتها الثانية وفي شعب كان من الوهمي أنه حقق أعظم ثورة في تاريخ الكوكب وقفز إلى الفضاء الخارجي وصفق له العالم ووهب بعض منظماته جائزة نوبل للسلام.
ولكن المنهجية المتبعة ضمن العمل النقابي والنضالي منهجية كسر عظام لا يربح فيها أحد، والدولة أول الخاسرين، والوطن أكبر المتضررين.
كل مدينة تريد حقها في الثروات وقد تصبح لها تنسيقية خاصة، ومع أن المدن التونسية مظلومة منذ الاستقلال خاصة تلك التي كانت منبعا للمقاومة أو التي كانت يوسفية، ولكن المطالبة بالحق يجب أن يكون تحت الراية الوطنية وفي أطر الدولة لا ضمن تمزيق الوطن وتحطيم الدولة.
وسيقول لي قائل: ولكن الدولة لا تهتم والوطن لا يلتفت.
وأعجز حينها عن الإجابة.
إنها أوقات صعبة جدا، مع سعي العابثين إلى تأجيج الصراع الأيديلوجي، بين الذين لا يرون قضية أهم ولا أكثر استعجالا من المثليين والأمهات العازبات، وبين الذين يريدون بلدا مقسما بين “نحن” و”هم”. ضمن نظر نعرف جيدا أبعاده وعقيدته ومخالفته لمعتقد بلاد الزيتونة.
رئيس الجمهورية له رمزيته، وأنا رغم كل شيء ما زلت أؤمن بالدولة مقابل الفوضى والخراب الممنهج.
لكني انصحه باختيار الناصحين الجيدين، وأصحاب الرؤى الاستراتيجية العميقة، فقهاء الأمن القومي والأمن الشامل وعلم الاجتماع وفنون السياسة والتواصل والإعلام. وأن يكون العلاج فعّالا ناجعا بالتعاون مع المنظمات الوطنية والمجتمع المدني (مع غربلة ونظر واختيار).
من المؤكد أن هنالك حلولا ممكنة رغم صعوبة الوضع، ومن المؤكد أن الصمت لن ينفع، وأن تواصل الأمر على ما هو عليه سيكون مآله الخراب الوشيك وسقوط الدولة وفوضى مجتمعية غير مسبوقة ليس ما حصل في مجلس النواب سوى مقدمة لها.
ومن المؤكد كذلك أن ردات الفعل والتشنج والتهديد والوعيد لا تمثل استراتيجية تواصل ولا فعل حقيقي ناجع.
لدي يقين أن لتونس رجال وحرائر لا يرضون لها السقوط.
أرجو فقط أن يجدوا مجالا وسط زحام الخونة والفاسدين، وإرهابيي الفكر والعقيدة، وشراذم التعهير والتزوير والتدمير.
ويبقى الوطن.
09-12-2020