4 دقائق للقراءة
(من أطروحة الدكتوراة في التصوف)
من أرض الجزائر أيضا، قائد كبير لقب بعبد القادر الجزائري الثاني، إنه المجاهد البطل الشيخ محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن إبراهيم الملقب ببوعمامة، الذي جاهد وقاوم الفرنسيين في الجزائر ثلاثة وعشرين عاما، أي من 1881 إلى غاية 1904، في امتداد لثورة أولاد سيدي الشيخ[1] التي قادها أبطال كبار من أمثال الشيخ قدور بن حمزة.
ولقد “كانت الجزائر عند ميلاد بوعمامة تعاني ويلات الاستعمار الفرنسي الذي كان يتأهب لمد نفوذه على الجنوب…مما أثار همم الشاب بوعمامة فتأهب لمواجهة المستدمر حيث بدأ سنة 1860 م بنشر الدعوة إلى محاربة الاستعمار الاجنبي، ثم شرع يحضّر للأعمال المسلّحة بالإغارة على القوافل التجاريّة والمراكز الفرنسية في جنوب وهران، واتّصل بالقبائل والعشائر قصد تعميم النّداء للجهاد، وكانت البداية في 16 فبراير 1881 م ببئر الغرامة …
وفي شهر أفريل 1881م نادى الشيخ بوعمامة بالجهاد فواجَه معارك عديدة مع فرنسَا مثل: مَغرّكة الخير، مغرّكة مُولأق، مَغرّكة تازيتة ومَغرّكة الشالآلة التي خسرت فيها فرنسا 60 جنديا”[2].
والشيخ بوعمامة من كبار مشايخ التصوف، فقد كان شيخ الطريقة الشيخية، وكانت له زاوية عامرة بالمريدين، الذين قاتلوا معهم وكان من خيرة المجاهدين والمقاومين لأجل عزة الأوطان وكرامة الإنسان، ودفاعا عن الدين والأرض والعرض.
“ومرت زاويته بعدة مراحل في حياته، ولكنها لم تتغير، بل كانت تتطور، فبعد أن أسسها في أمغرار وجدد الحصون حولها وبنى جوانبها، خاض عدة معارك أهمها معركة تازينا 19-05-1881 م والتي انتصر فيها المجاهدون انتصارا عظيما، وفتحت الطريق أمام الشيخ بوعمامة لينشر ثورته في مناطق عين الصفراء البيض….وانتقلت الزاوية والطريقة الإيمانية إلى الخيم حيث الشيخ بوعمامة متنقل عبر التلال والفيافي”[3].
ولقد كان المريدون مع الشيخ بوعمامة يقاتلون بإيمان كبير ويقين راسخ، وكانوا في “زاويتهم المتنقلة يستعيدون أورادهم وأدعيتهم الصوفية العميقة”[4].
لقد كان الشيخ بوعمامة علامة مضيئة وشعلة وهاجة في سماء التصوف بمعناه الإيماني وبمعناه المقاوم أيضا، وليّا صاحب كرامات وقائدا صاحب كرامة، وما يزال أحفاده على عهده في التصوف السَّنيّ والمنهج السُّنّي[5].
[1] اندلعت المرحلة الاولى لثورة أولاد سيدي الشيخ بين 1864 – 1867م، عندما أعلن فيها سليمان بن حمزة الجهاد ، بعد أن وافقه شيوخ الزاوية واستجاب له عدد معتبرمن الأتباع والأنصار وكلف سي الفضيل بمهمة التعبئة والاتصال بالقبائل وأتباع الطريقة البوشيخية المنتشرين عبر ربوع الصحراء. وفي يوم 8 أبريل 1864 اندلعت المقاومة بالاغارة على مخيم للجيش الفرنسي في هضبة عوينة بوبكر شرق البيض مما أثار الارتباك و الهلع في صفوف القوات الفرنسية ذ، خلف هذا الانتصار أثرا حسنا بين القبائل التي سارعت إلى الانضمام إلى المقاومة، خاصة بعد أن علمت بسقوط العديد من الضباط الفرنسيين ذ، وبعد مقتل سليمان بن حمزة بويع سي محمد قائدا، ولصغر سنه استعان بعميه سي الزبير وسي لعلا. كما تدعمت المقاومة يوم 17 أبريل بانضمام قبيلة أولاد شايب من دائرة بوغار تحت قيادة الآغا النعيمي ولد الجديد و حوالي خمسمائة فارس ، بعد أن قاموا بهجوم مباغت على معسكر فرنسي.
ومن أشهر المعارك التي خاضها سي محمد بن حمزة، معركة ابن حطب يوم 26 أفريل 1864م ضد فيلق الجنرال “مارتينو” المتجه إلى البيض. وفي يوم 13 ماي 1864م وقعت معركة ستيتن بين المقاومين بقيادة سي محمد وقوات فرنسا بقيادة الجنرال “دلينيه”، فقد فيها المجاهدون العديد من الرجال، مما جعل سي محمد ينسحب إلى الجنوب، وتمكن بذلك الجنرال “دلينيه” من الانتقام من السكان العزل. استغل المجاهدون ظروف اشتداد الحر، للانقضاض على الـمراكز الفرنسية وتأديب القبائل الموالية للاستعمار فهاجموا فرندة في 12 جويلية 1864 لمعاقبة المتعاونين من فرنسا، غير أن السلطات الفرنسية عززت مراكزها بتجهيز خمس كتائب ولم يحول ذلك من شن هجوم بزعامة سي محمد على كتيبة الجنرال “جوليفي” بعين البيضاء يوم 30 سبتمبر 1864م ، وألحقوا بها خسائر جمة.
في المرحلة الثانية من ثورة أولاد سيدي الشيخ (1867 – 1881م) اعتصم المجاهدون بالجنوب والحدود الجزائرية المغربية لمعاودة القتال عن طريق الكر والفر، للتغلب على القوات الاستعمارية الضخمة التي لا يمكن صدها بأسلوب حروب المواجهة، شهدت الجزائر خلال هذه الفترة قحط وأزمات متتالية كالمجاعة و تفشي الأوبئة إضافة إلى زحف الجراد، مما أودى إلى هلاك العديد من الأهالي، رغم ذلك، استمرت المقاومة ولو بوتيرة أقل انطلاقا من الحدود.
وبعد وفاة أحمد بن حمزة في شهر أكتوبر 1868م بتافيلالت خلفه سي قدور بن حمزة الذي تمكن من توحيد صفوف أولاد سيدي الشيخ، وتنظيم المقاومة، ففي عهده وقعت معركة أم الدبداب قرب عين ماضي في شهر فبراير 1869، انتصرت فيها فرنسا الذي زاد من تعزيز قواته بالمنطقة، وانعكست الحرب البروسية- الفرنسية وسقوط النظام الامبراطوري وقيام الجمهورية الفرنسية الثالثة ايجابيا على المقاومة مما شجعها على الاستمرار، ومن أشهرما خاضته من معارك معركة ماقورة في 17 أبريل 1871 قتل فيها أزيد من مائتي مقاوم. غير أنها لم تستطع مواكبة مقاومة الـمقراني والشيخ الحداد. وفي 23 ديسمبر لحق الجنرال “أوصمانت” بالقائد سي قدور بن حمزة الذي اخترق صفوف القوات الفرنسية نحو التل وأصيب في معركة ميقوب ففرَّ إلى الجنوب مع عمه سي لعلا. و بذلك تعد هذه المعركة آخر معارك أولاد سيدي الشيخ الشراقة ضد الإحتلال الفرنسي. ومن أشهر رجالات هذه الحركة الجهادية الشيخ بوعمامة. ( محمد ابن الطيب البوشيخي، أولاد سيدي الشيخ التصوف و الجهاد و السياسة ، ص 185 )
[2] رابح خدوسي، بو عمامة: قائد ثورة أولاد سيدي الشيخ، منشورات الحضارة 2015، ص:4-5.
[3] الشيخ مولاي التهامي غيتاوي، كتاب لفت الأنظار إلى ما وقع من النهب والتخريب والدمار بولاية أدرار إبان احتلال الاستعمار، دار الكتب العلمية، بيروت، ص: 85
[4] المصدر نفسه
[5] ولقد شرفني الله بزياة ضريحه في مدينة العيون سيدي ملوك قريبا من وجدة شرقي المغرب، ولي صلة طيبة بحفيده الشيخ سيدي حمزة وأبناؤه.