2 دقائق للقراءة
وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَفْئِدَةِ.
الإمام علي عليه السلام
يا بني: إذا سمعت المؤذن فافهم ما يقول، وأصخ السمع وافتح أذن القلب وعين البصيرة.
واعلم أن كل آذان دعوة وإعلان.
دعوة إلى رحمة الله وفضله، وإلى دار السلام.
وإعلان حرب على الشر والظلام.
وقوف مع الحق، وصفع لوجه الباطل فيك وفي العالم.
مع كل آذان جدد العهد مع الله.
حتى إذا توضأت تطهّرت ظاهرا وباطنا، وإذا صلّيت واليت الحق وأهله.
وإذا سجدت خضعت، وبالخير رجعت.
وإذا قلت: الله أكبر.
رأيت أن كل شيء أصغر، وأن الله أعظم وأكبر.
فلم يكبر في عينك عدو، ولم يركب نفسك عُلو .
يا بني: من قال لك: أنت لا تعرف من أنا!
فقل له: ومن أنت!
خالق أم مخلوق؟ رازق أم مرزوق. غني أم محتاج لمن استغنى فلا يحتاج.
واهب القوت، ومالك الملكوت، أم عبد لا يدري أمحبوب أم ممقوت، ولا يعلم غيب غدٍ ولا بأي أرض يموت.
يا بني: هب أن عدوا أتى لعدوّه بعسل وسَكَر، فشرب وانتشى وسكِر.
ثم دعاه فسمل عينيه وقطع يديه، ورماه في واد فيه مهلكات، ثم جلس على جانب الوادي ضاحكا.
قد خسر من باع وخاب من اشترى، وكذب العدو على عدوه وافترى.
فكذا الشيطان عدو ابن آدم، يأتيه بعسل الوهم وسَكَر الشهوات.
فإذا انتشى وسكر سمل عيني بصيرته، وقطع يديه عن الخير، وألقاه في أودية الندم، حيث الهلاك والعدم. وجلس يضحك من خسرانه، ويُشهد على ذلك شراذم أعوانه.
فإياك أن تتبع غيّه، أو تأتي زيفه. ولا يغرنّك شهي وسواسه، ولذيذ خنّاسه، فليس في قلبه عليك غير الغل، وليس من ورائه سوى الهلاك.
واعلم أن الله أعد لك خيرا مما يمنيك شيطانك.
وأنه جعل لك في الدنيا من الحلال ما هو أشهى وألذ، وفي الجنة ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
واجعل حبك لربك أعظم من كل ما يعطي، وأعظم من كل ما يُطمع فيه أو يُخشى منه.
فتلك عبادة حر أقبل على ربّه من أجل ربه، لا من أجل نفسه.
يا بني: كن حقيرا في عين نفسك، كبيرا في عين ربك.
فكم كبيرٍ في عين نفسه، حقير في عين ربه، مركوم في نار الغضب، محروم من نور الأدب.