2 دقائق للقراءة
والدي حبيبي.
لم أعرف معنى إحساس الأب حقيقة إلا عندما صرت أبا.
حين ضممت ولدي البكر علي لحظة وُلد، رأيت أبي يضمني حين وُلدت.
وانفتح في قلبي باب لم يُفتح من قبل.
وغمرني شعور لم يغمرني من قبل.
لم أكن ولدا يسير المقادير، بل كانت اقداري صعبة، فأتعبت والديَّ كثيرا.
وبعد الغيبتين: غيبة غبتها عن ذاتي التي نشأت بالولادة، لأسترد ذاتي الأقدم التي كانت في أزمنة الروح. وغيبة في المكان لسنوات حتى ظن الأهل أني لم أعد من أهل الدنيا.
بعدهما، رجعت لأرجع البسمة وأمحو ما كان قدر ما استطعت، وأعلم أني غدا أقدر مني اليوم.
من المشاهد المؤثرة لقائي مع أبي في مدينة جدنا، لقد كان أمرا عظيما، غمرتنا أنوار المصطفى وبركات طيبة الطيبة.
ولا أنسى وأنا أمسك يد والدي وندخل من باب السلام.
كنت صغيرا لم أدخل المدرسة، وأتى والدي بهدية لابنه البكر: مجلة فيها صور مهن ومناصب، وأخذ يعرض علي الصور ويقول: ماذا تريد أن تكون حين تكبر، طبيبا، محاميا، وزيرا!!!
وهتف الطفل: رئيس دولة.
لم يكن ذلك في المجلة، ولا كان من المفترض ان يعرفه طفل الأربعة اعوام.
وابتهج ابي ورفعني عاليا، كأني انظر لابتسامته واسمع صدى ضحكة الطفل الصغير، ومن المفترض أيضا ان لا اتذكر هذا!
اليوم ابتسم، لأن ما أصبو إليه أعظم من ذلك، فأنا أطمح وموقن، في أن أكون خادما لله ورسوله وآل بيته والصالحين، وللغلابة والطيبين.
فذلك باب سعادة وعز قيل فيه عن الرجل الصالح بشر الحافي: ملك بشر رقاب الناس بلا سلطان.
وقال عنه العارف الكبير إبراهيم بن الادهم (الذي كان أميرا وفر من الإمارة): لو علم الملوك ما نحن فيه من النعيم، لقاتلونا عليه بالسيوف.
عندما كنت صبيا، قص علي والدي رؤيا رآها قبل أن أولد، أنه يحمل رضيعا ويرفعه عاليا، فإذا له شاربان، وعليه شامة.
وقال أن تفسيرها نضج مبكر، ومرتبة عالية.
آن الأوان لأحقق ما بقي من رؤياه، ليبتسم بفرح، و”يعنقر الكبوس” بفخر.
دمت ركنا لقلبي يا أبي.
حفظ الله آباءكم، ورحم الله كل أب توفاه الله.