2 دقائق للقراءة
لم يعلم ما الذي أوصله إليها.
كانت ممتدة على مرمى البصر، بكثبانها الهائلة، ورمالها التي تذروها الرياح.
كان الصمت مهيمنا رهيبا كمجلس حاكم ظالم، وكانت الشمس محرقة كأنها تنقم على البيداء ومن فيها.
نظر إلى ساعته المرصعة بالأحجار الكريمة، التي اشتراها بمبلغ كبير، وإلى خاتمه الذي كان يباهي به.
كانت عقارب الساعة تدور عكس المعتاد، كأن الزمن انعكس في تلك الصحراء المترامية.
أنهكه المشي في متاهة الرمال، وأخذ الظمأ يحرق مهجته، وشعر أن القيظ ثعبان من نار يلتف على عنقه، كان إحساسه بالاختناق مرعبا، وكان شعوره بالعطش مروعا، وكان الموت يحيط به كالكثبان التي تحاصره من كل جانب.
سقط مغشيا عليه، فتح عينيه بصعوبة وحاول التنفس، كان فمه قد تيبس وتشققت شفتاه وبهت لونه وغارت عيناه من شدة العطش.
فجأة انفتحت كوة من ضوء فنهض على ركبتيه بصعوبة.
امتدت يد إليه بكأس ماء، اضطرب قلبه وهو يرى الفاصل بين الحياة والموت.
أمسك الكاس بيد مرتعشة وعبّ ما فيه، شربه كما تشرب الأرض الهامدة ماء المطر بعد جدب طويل.
كان ذلك الذ ما ذاقه طيلة حياته المليئة بالترف والملذات.
استعاد قوة بصره ونظر إلى اليد التي مدت إليه الكأس، كانت لرجل يلبس بدلة فاخرة، وفي يده ساعة مرصعة وخاتم ثمين، أمسك اليد في هلع ودقق النظر، لقد كانت اليد يده وعليها ساعته وخاتمه.
كان يجلس في مطبخه متأففا، متذمرا من الحياة.
لقد رقص الليل كله في الملهى وتعرف على رقم جديد نسي ترتيبه ونسي صاحبته، فكلهن عنده مجرد أرقام.
شرب الخمر أكثر تلك الليلة، وضحك مع زمرة السوء كما كان يسميها.
استيقظ ثملا وكأن عصابة ضربته حتى كادت تكسر عظامه.
كان يفتقد نكهة الأشياء، ولا يجد للحياة طعما.
جلس في مطبخ بيته الفخم الشبيه بقصور النبلاء، نظر حوله، أمسك كأسا وملأه من ماء الحنفية وقال له: كل شيء يبدو لعيني حقيرا مثلك..
أراد أن يكسره على الجدار المقابل، مد يده ليلقي به، فإذا بكوة ضوء تنفتح كبوابات الأرواح، نظر فإذا رجل ملقى في الصحراء قد غمرته الرمال وظهر عليه أثر الظمأ والاعياء، عبرت يده الكوة فشعر بحرارة الرمال .
مد الرجل يده وشرب كأس الماء بسرعة كأنه يستعيد الحياة..
نهض ونظر إليه بعينيه المتعبتين، نظر الى يده فرأى ساعته وخاتمه، نظر إلى وجهه فرأى نفسه.
رجلان من عالمين متوازيين، أم رجل واحد في حالين مختلفين من احوال الدنيا..
وحده كأس الماء يعرف الاجابة.
ووحده الماء أدرك الحكمة، وفهم.