2 دقائق للقراءة
مسيرة حياتي فيها الكثير من السهر.
بل هي مسيرة سهر ومشقة وعشق متلف محرق.
لقد صنعتي الالام وصقلتني الاوجاع.
لا يوجد مكان في جسدي أو روحي او قلبي إلا ومسه ضر، واصابته الايام بالاسقام.
وكان لي في طريق الوجع صديقان، أحدهما آنس روحي، وكفكف دموع قلبي، وجعل من الجراح حدائق تبهج النفس.
والثاني صقل جسدي، وأعطاني قوة عزيمة وشراسة في قتال الأيام السوداء، أيام الفقر والغربة والوحشة والألم.
الشعر عانقني صغيرا جدا، فحفظت للمتنبي في عمر الثامنة، وكتبت اول بيتين بعد ذلك بعامين في موضوع إنشاء عجبت منه المعلمة، وما زلت احفظهما إذ جعلتهما في الخاتمة:
وتظل الأسئلة تجوب
تطرق بابا بعد باب
تدخل طيات القلوب
تائهة تريد الجواب
وقد يكون هذان البيتان ضعيفان أمام إمكانيات شاعر فحل، لكنهما مثلا نقلة نوعية في حياة شاعر طفل.
وكانت مواضيع الانشاء التي اكتبها في السنة الاولى من التعليم الثانوي تقرؤها الاستاذة بزهو على التلاميذ.
وفي ذلك العمر (١١ سنة) قرات بنهم لابن المقفع وابن الاثير والجاحظ وغيرهم من كتب جلبها ابي من العراق، ليكون الكتاب أنيسا لي وصاحبا فعل في وجداني وعقلي الكثير حتى صرت كاتبا لاضيف الى مكتبة الانسانية رصيدا.
في عمر الرابعة عشر كانت أول الانكسارات العشقية التي فجرت كوامن شعر منساب بشكل يومي إلى هذه اللحظة، وبعدها بعامين كتبت قصيدة “هوى فاطمة” لتكون بداية مسيرتي في الشعر الملحون او الشعبي التونسي، وكنت قبلها بسنوات قرات وحفظت لكبار فحوله من امثال احمد ملاك والعربي النجار واحمد بن موسى واحمد البرغوثي ومحمد الصغير الساسي، مع ما قراته من سيرة بني هلال وما فيها من قصائد حفظت كثيرا منها وكنت اقرؤها على جدي رحمه الله.
أما فنون الدفاع فقد كانت القوة التي طورت جسدي بمشقة التدريب وشغف التطوير والصقل، حتى تحول الطفل النحيف العليل إلى مقاتل بارع مهيب رهيب.
وقد قرأت كتبا كثيرة عن فنون الدفاع وتاريخها، وشاهدت مئات الافلام، خاصة افلام هونغ كونغ عن فنون شاولين، مثل غرف شاوولين 36، التي مثل فيها المبدع غوردن ليو، من انتاج Shaw Brothers.
وكل ذلك بعد افلام بروسلي الملهمة. وقد شاهدت أول فيلم لبروسلي وعمري أقل من عشر سنين، وكان فيلم “لعبة الموت” جلبه احد ابناء عمومتي من ايطاليا.
وكم كان اثره عميقا، حتى اصابني بجنون الحماسة، ولا انسى إحساسي ذاك ابدا.
علمني الشعر كيف اصنع من آلامي قصائد وأجعل وجعي معين إبداع.
وعلمتني فنون الدفاع الشهامة والإباء والشجاعة وقوة الارادة.
وقد كتبت الاف القصائد وتدربت لالاف الساعات، حتى صرت شاعرا يكتب اشهر الاغاني واروع القصائد، ومعلما كبيرا لفنون الدفاع وفنون الحرب.
وبين الشعر وفنون الدفاع كان العشق والوجع، المطالعة والكتاب، الدراسة والاصدقاء، وشبكة من أمور تفاعلت لأكون ما انا عليه الان.
سيكون لي مجال يوما ما لاتكلم عن الامور الروحانية ودور اولياء الله ونفحاتهم…
عن المعلم الاخضر وخبري معه، عن الحلم المنتظر وال البيت…
عن العشق الالهي والعشق المحمدي…
وعن التصوف والفكر والفلسفة…
وأعوام قضيتها في المكتبات..
وعن السفر والترحال والغربة.
وعن أمور وتفاصيل اخرى، لعل الصورة تتضح، وإن كنت أود الان ان اكتفي بهذا.
#مازن_الشريف_رسائل_ومخاطبات
#المنارة_مسيرة_صبر
*هذه الصور هدية لطفل كنته يوما، وما يزال نابضا في داخلي.