3 دقائق للقراءة
كما ترون يا سادة، هذه صور من أقمارنا الصناعية، إنها تشير بدقة إلى ما نظن أنه مكان تابوت الملك سفاريم الأول، تحت سبعة كيلومترات في قاع المحيط، يبدو أن الأرض غرقت وهجم عليها البحر، أو انجرفت طبقاتها وساخت بأهلها فخسف بهم.
ولكن كل شيء يوحي بما في مخطوطتنا السرية التي عثر عليها مرتزقتنا في بلاد نهردان، نقش على معدن غير مصنف عندنا.
صفق الجميع للشابة الجميلة ذات اللباس الأسود والشعر القصير.
ظهر خلفها حارس على وجهه أثر ضربة سكين أو خنجر، حمل بيديه القاسيتين حقيبة، فتحها وأخرج كأسا قديما.
سكبت الفتاة بعض الدم فخرج دخان فيه أصوات كالعويل وظهرت معه وجوه وأطياف مفزعة.
اهتزت القاعة، وأمام أعين الجمع الفزعة هتفت الفتاة وهي تتبسم بزهو ماكر: كما ترون، كأس الملك التي شرب فيها الدماء.
نحن في الطريق الصحيح يا سادة، نحتاج تمويلكم وقوة السحر الأسود التي لديكم وكل ما تمتلكون من علاقات مع العالم السفلي.
سنحقق نبوءتنا أخيرا، ونعيد إحياء التنين الأسود ذي العين الواحدة، وننتقم من أحفاد الامبراطور كي تونغ الذي هزمه، وممن أفقده عينيه اليمنى بضربة من سيفه.
زمن التنانين الذي انتهى منذ عصور، ثم تجدد بعد الظهور، سينتهي قريبا، وسيبدأ زمن التنين الأسود، زمن أحفاد الملك الشيطان.
أين عثروا على الكأس، قال أحد دهقانات معبد العين الثالثة وهو يخرج مرتعدا من القاعة، همس إليه صديقه السياسي المحنك: إنهم نافذون جدا يا دكتور ماتيو، علمك الفيزيائي والذري مجرد لعب أمام علومهم الخفية.
فوق القاعة، وخلف نافذة خفية، كان خاتم أسود فيه ما يشبه الزمردة السوداء يتحرك فيها دخان، وكان إصبع عجوز يحمله، بيد مرتعشة تمسك عصا فوق ركبتين حادتين، ظهر وجه محدودب وعينان ثاقبتان، تراقبان بدقة وجوه الدهقانات وبقية أعضاء المعبد من النافذين في السياسة والفن والإعلام والعلم، ومن رجال المال والسلطة، ومن السحرة والمشعوذين.
دخلت فتاة الغرفة السرية، أمسك حارسه الشخصي ذو اللحية الطويلة واللون القاتم بمسدسه الذي يضعه في جراب مشدود إلى صدره، ثم أنزل يده وحنى رأسه باحترام.
ما رأيك في العرض يا جدي.
أنت بارعة يا سوزي، أو لأقل يا شانديارا.
جدي قلت لك لا تقل اسمي الخفي أمام هذا الحارس المغفل.
إنه لا يفهم لغتنا السرية يا حفيدتي.
كم مرة قلت لك أن هذا البغل لا يفهم.
ولكن الحارس كان يفهم جيدا كل كلمة.
وكان في سترته زر لم يكن زرا، كانت كاميرا صغيرة زرعها رجل كان يجلس أمام جهاز يشاهد المشاهد كلها، ويسمع كل كلمة.
أحسنت رانفير، لقد اخترقتهم.
نحن في خدمتك أيها المعلم داريوس.
لكن أخبرني كيف عرفت أنهم وجدوا الكأس.
لأني منحته لهم يا عزيزي.
حكمة المعلم لا يمكن أن يفهمها رانفير المسكين.
ضحك داريوس وهو يربت على كتف تلميذه الذي زرعه في المنظمة وتمكن بعد انتصاره على كل الحرس الشخصي أن يكون حارس كبير الدهقانات.
انت رجل مخلص وشجاع، ستفهم كل شيء في أوانه.
وحين غادر رانفير، وضع داريوس يده على الجدار، فتحول إلى طاقة زرقاء كأنها ماء ضوئي، دخل منها إلى معبد في قمة جبل عليه سبعة تماثيل لتنانين ملونة يركبها ستة محاربين وفتاة تحمل سيفا.
انحنى أمام رجل يتربع في الهواء.
أنت تتقدم بسرعة حتى تكاد تتفوق على تلامذتي السبعة القدامى، وحتى على الثامن، يا تلميذي التاسع والأخير.
أنا فداء للمعلم.
كان حديثا تخاطريا قصيرا رجع بعده داريوس إلى غرفته في تلك المدينة التي تعج بالبشر والشياطين والمسوخ.
كان يسعد كلما التقى مجددا مع الرجل الذي غير حياته وعلمه ما لم يكن يتصور وجوده، ودربه ثلاثة وعشرين عام حولته إلى معلم كبير يتقن فنون التنانين وعلوم الرواحين.
لقد كان مكلفا بمهمة دقيقة، وكان يعلم أن الوقت ينفذ، وأن تنين العين الواحدة لا بد أن يكسر الختم ويغادر التابوت، لأنها حكمة الأول الآخر، وقدره الذي لا راد له.
همس في نفسه: من يصدق أن ثلاثمائة عام مرت منذ قيام دولة الظهور، وقتل شيطان النار والدخان، وأن معظم البشر سيرجعون للشر مجددا بهذا النهم، كأن أرواحهم السفلية اشتاقت لشرها القديم.
بل ومن يصدق أن رجلا يتجاوز عمره الخمسين ألف عام ما يزال حيا، كأنما شرب من ماء الحياة.
أتاه صوت المعلم من خلف برازخ المسافات يتردد في كيانه كأصوات جن البحار: أنجز مهمتك ولا تكثر من التفكير فيما لا تملك له تفسيرا.
لبس بدلته الأنيقة وركب سيارته الطائرة وانطلق في الجو يريد لقاءا في تلك المدينة العامرة بالضوء مع صديقه ورفيقه في التدريب، جون بيير، الذي التقى المعلم قبله بعقود، ولم يهرم، رغم أنه عاش ما يزيد عن المائتي عام.