5 دقائق للقراءة
أبي، قلت لك، لقد رأيت ما رأيت…كأني كنت قبل هذه الحياة حيا حياة أخرى مختلفة.
يا بني تلك حياتك السابقة حلمت بها.
كيف حياتي السابقة، تناسخ؟
لا وجود لشيء اسمه التناسخ، إنما هو فهم خاطئ للحياة الأولى التي كانت بالروح قبل الجسد.
ولكن هذه الحياة السابقة في العوالم الروحية لا يمكن للعقل تمثلها، ولن تتذكرها إلا حين ترجع حيث كنت، لتنتظر بعثك الأخير.
هنالك ستقام محكمة القدير، صاحب أول رقم وأول حرف وأول كلمة.
الذي جعل الرقم أرقاما وسماوات وأرضين وكواكب وذرات وأبعادا كثيرة وبرازخ عديدة.
وجعل الحرف كائنات أسماء وأشياء، والكلمة كائنات ولغات وعوالم.
لذا حين ترى ما تراه في نومك أو في مجمع البحرين حيث لا أنت جسم ولا روح، أو كشف يقظة، فلا تنشغل كثيرا بالأمر، فأنت هنا في مهمة، وعليك أن تضرب بجذورك عميقا في أرض الواقع، وأن تنظر حولك للأزرق الممتد سماء تحميك، وللأزرق المنساب ماء يسقيك، وللأرض تحتك تهبك وتعطيك.
فأنت يا بني سليل الشمس والقمر، وارث زيتونة المعلم التي أتى بها من جبل الخلود، بل أنت الزيتونة.
كان والد كي تونغ يربت على شعر طفله وهو يحدثه، وينظر إلى الصبي الذي سيكون عما قريب شابا، ويحقق النبوءة ليكون امبراطور العالم ويهزم التنين الأسود.
إن جد جده حدثه عن أحد أجداده أنهم من سلالة المعلم الكبير لونغ التنين، وابنه الملك كوان تزو، لكنه لم يجد على ذلك دليلا، حتى جاءت تلك الليلة التي رأى فيها نجما ينزل ويقترب، ثم تحول إلى ما يشبه الطبق، وداخله لم ير إلا النور، ثم رأى كل شيء يحتاج إلى رؤيته وعرف ما كان عليه أن يعرفه، ومنذ تلك اللحظة صار قليل الكلام كثير الصمت دائم الترقب، وصار يعرف مرارة زمن الانتظار.
الرؤى بوابتنا التي نعبر بها إلى أرض الأشباح.
قال التنين لتايبنغ وهما يتابعان كلام الأب الحكيم لابنه من حيث لا يراهما.
عالمكم هذا نسميه عالم الأشباح، وعالمنا هو عالم الأرواح، والرؤى نافذة للرسائل المشفرة والمباشرة، باب للتواصل وبوابة للقاء، حين يكون النوم تحرر الأرواح من أشباحها الجسمية.
ولكن الكوابيس قد تهاجم الروح أحيانا.
عقّب تايبنغ.
هذا ضد ذاك، أجاب التنين.
نحن نتواصل بالرؤى، والسفليون بالكوابيس تارة وبالأوهام الشهوانية المنامية تارة أخرى.
والنفس تصدّق أو تكذّب.
وقد تنسج النفس الفاجرة ما يشبه الرؤيا وما هي برؤيا بل توهمات نفسية وتشوفات لما لم تبلغه في الواقع الذي تعيش.
وعموما تبقى الرؤى رسائل ذات قيمة عالية ومصيرية أحيانا، والنبوءات تتكرر في كل عصر، لأنها تتعلق بالمختارين، من أسماؤهم كتبت في لوح الاختيار القديم.
وكم تلتقي النبوءة بالرؤيا، وأحيانا تكون مكاشفة حين تتيقظ حواس الروح فيرى الرائي دون حاجة للانفصال الذي يكون بالنوم بين جسد الكافة وجسد التراب.
ركز على ما تعلم، ركز على هذا العالم الذي أنت فيه.
درب جسمك كل يوم، وهذب نفسك أثناء ذلك، ثم طهر قلبك، واصقل عقلك بالمعارف، بعدها ستجد الطريق لتحرير روحك.
تلك مبادئ فن التايبنغ كما علمها لي المعلم.
كان كي تونغ يذكر بحنين حواره مع أبيه، في أيام قضاها في ذلك المكان الغامض.
ولكن لونغ كان حريصا على تعليمه بسرعة، لأن الوقت قصير، والحرب حتمية.
كان بقية التلاميذ يقومون بمهماتهم بدقة، وقد تم تكليف كل من فودجا وتشو بمراقبة يانيش ومتابعة تحركات السحرة الظلاميين.
أما تشي و”ونغ” فكانا يراقبان الممالك الكبرى، ويتواصلان عبر بوابات الرؤيا مع الملوك وزوجاتهم والوزراء والقادة بالتعاون مع التنانين ليرسلوا إليهم رسائل ومشاهد مما سيأتي وفق فن ختمة الرؤيا.
ين ويانغ توجها إلى مكان بعيد في أرض الجليد، هنالك سيجلبان شيئا خطيرا يضعانه بمكر في طريق يانيش لينفذ مهمته.
عليك أن تصعد الجبل، وأن تعلم أنك قادر على ذلك، لا تستهن بقواك، أنت تحمل من دمي.
قال لونغ لكي تونغ.
والحقيقة أن التدريب لم يكن في عالم المادة بل كان برزخيا، فيما يشبه الرؤيا التي يصحو منها كي تونغ متحمسا لينفذ كل ما رآه.
لقد كان لونغ يعده للقائه، وكان يضع قناعا على وجهه حتى لا يراه تلميذه، لحكمة أخفاها عنه المعلم.
حياة أخرى تلك التي كانت قبل أن نأتي الدنيا، وحياة أخرى أعيشها حين أنام، وحياة أعيشها الآن وأنا متيقظ، لكني أشعر أني كنت حيا أكثر قبل أن أحيا حياة الجسد، وأني متيقظ أكثر حين أكون نائما.
هكذا تحدث كي تونغ إلى حبيبته جينارا حين التقاها مجددا.
وأنا أيضا يا حبيبي أرى ما تراه، كأن هنالك من يدربني..
من هذا الذي يجرؤ، أنا مدربك الوحيد.
قال بحماسة الشباب وبنبرة تحمل غيرة واضحة.
إنها ليست من عالم البشر، بل مخلوق كتنانين الحكايات، تنينة ناطقة، تعلمني كيف أكون تنينة مثلها، ونطير معا في عوالم عجيبة، وأصحو وفي يدي خطوط غريبة.
نظر لخطوط يدها، إنها نوع من الختمات التي يجهلها، لكن سريعا سيتكشف، عليه فقط أن يتدرب على التيقظ أثناء النوم، ليتكلم بحرية، ويتصرف بوعي، ويسافر خلف حدود الجسد.
تلك تجربة عسيرة، رأى فيها الكثير، ونزل إلى العوالم السفلية، وصعد إلى أعلى، وأحس أنه أكثر من كائن، كأن فيه التقاء العوالم، فروح علوية، ونفس سفلية، وجسد من طين شديد الصلابة.
كي تونغ كان مختلفا، كان تواقا لتطوير نفسه، مدركا أنه لا يحمل نقاء المعلمين الأوائل، بل فيه من شوائب العالم الذي نشأ فيه، وهو يقبل بذلك، لأن النقص والشر مجرد مرحلة من مراحل التدريب، عدو آخر سيهزمه، وهوة أخرى سيتجاوزها، ليصعد جبلا جديدا، في قمته يجد سفح الجبل الذي يليه.
وكان يرى أحيانا أنه يغير حجمه، بختمة واحدة، يكبر أو يصغر، وأن ذلك أمر يعرفه قبل حياة الأجسام، ويتقنه.
رؤياه هذه ستحقق، بنفس الختمة التي علمتك إياها في جبل الخلود، والتي سأكلفك بتعليمها لـه.
فبالإضافة الى تشكلنا، الذي نغير فيه أشكالنا وفق نمط محدد راق، نحن نتحاجم، نتحكم بأحجامنا من أصغر الى أكبر، ضمن حد أعلى وحد أدنى.
فبإمكاني أن أكون أكبر من كونكم هذا، أو أن أجلس تحت شجرة قرب كوخ مزارع..
أو أن أجول داخل ذرة كما تتجول سفينة في أرجاء الملكوت.
ولمخلوقات النار والسفليين وعدد من الكائنات القديمة مثل هذه القدرات ضمن حدود وقيود، فلا يتشكل سفلي بشكل راق، ولا علوي بشكل وضيع.
قال التنين لتايبنغ وهو يريه كيف يصنع العالم الأعلى الرؤى، لتكون بنقاء الصورة، وجلاء المشهد، ودقة الرسالة، وقوة التشفير.
بعد نهاية الحرب، وانتصاره في المعركة، وجلوسه على عرش العالم امبراطورا عظيما، ابتسم كي تونغ وهو يُجلس زوجته بجواره وعليهما تيجان وضاءة.
إنها حياة أخرى أيضا، أكون فيها غير ما كنت عليه.
كأن الحياة سلسلة من حيوات قبلها وفيها وفوقها وحولها، وبعدها أيضا.
ردد في أعماق نفسه، وهو ينظر من فوق عرش الحكم إلى الملوك والقادة والجنود يخرون له سجدا، على ركبة ونصف، سجود تعظيم، لا سجود عبادة.