9 دقائق للقراءة
هل كان الغريب ينتمي لفيلق التنانين، بلى، بل كان قائدهم، وكان عليه أن يكتمل ليسترد قواه وخواتمه وسيوفه التي حفظها له التنين الأبيض الكبير في جبل الخلود، هنالك تحت الشجرة التي طالما جلسا تحتها وتبادلا أطراف الحديث عما سيأتي، قبل خلق عوالم الفناء. وكان قد درب التنينة الأم تايلا، ثم علَّم التنانين فنونها العظيمة مع أخيه صاحب القرنين.
هل كان الغريب من رجال الوقت، بلى، بل هو إمامهم وسيدهم. وكم مكث في تلك الجزيرة مع شقيقه الأخضر، معلما لكائنات ثم كائنات، حتى جاء بشري الطين وشرعا في تعليمه وتعليم المختارين من ذريته.
إن ذلك من سجل الروح، قبل أن تتشكل طينة الغريب ويكون بشريا، ولكن الذات الجوهرية واحدة، وكل تلك التقييدات التي تمت على قواه، لم تكن سوى مسألة مرحلية، فما تعني حياة بشري، لكائن وُجد قبل خلق العوالم، ثم قتل نفسه ليعود كاملا أبديا أشد قوة وتوهجا وقدرة.
وبالرغم من ثقل الوجود المادي، وكثافة التكوين الطيني، وما جُبل عليه البشر من جدل وعجل، فإن مجمع رجال الوقت عمل بكل رجاله على صقل الغريب، حتى لا يبقى في عقله جدل، ولا في قلبه عجل، وحتى يكون قطبا في زمن لم يستغرقه أحد قبله، فقد كان بين أيديهم فقط أعوام قليلة لإنجاز ذلك، والسماح لبقية الفيالق والمجاميع كي تقوم بعملها، ضمن مشروع سماوي، غير مسبوق.
وكان على ذلك القطب حين يجهز أن يبقى مخفيا حتى ولو ظهرت له من الكرامات ما لم يكن لغيره، أن يخفي مقام البدل لديه مقام القطب، وأن يكون وتدا حينا، مستقرا في أرض بعينها، أو غوثا حينا، متنقلا بين الأماكن يغيث به سيده من شاء حتى إن لم يشعر بذلك. لأنه مجلى كل رجال الوقت، يتمظهرون معه ويتجلون به، مع ما يهبه ربه ويتيح له، حتى أشار للسحاب فنزل فوق بيتهم وصعد، على مرأى ومسمع من رأى وسمع.
وكان عليهم أيضا أن ينسقوا عملهم مع صاحب ختمة النسيان حتى ينسى من ليس مسموحا له أن يتذكر، وحتى ينكر من كان أولى به أن يذعن لقوي البرهان وجلي الحجة.
لقد كان في عناد قوم وجحود آخرين وقاية وحماية لسر الغريب. وكان النسيان سترا له، ولو تذكر كل من رأى منه آية لكُشف أمره قبل ميقات الظهور والاكتمال.
ولقد كان عمل رجال الوقت في ذلك دقيقا، تحت قيادة غوث، وإشراف المعلم الأخضر، ولي الله.
وبعيدا في جزيرة فيها جبل، جلسوا جميعا يتناجون، ويتحدثون عن صاحبهم حين قارب الخميس من العمر، ودنا ميقات اكتماله.
تكلم ولي الله بصوته الهادئ العميق، ونظراته التي تمضي بعيدا كأنما تخترق الحجب وترى المقادير، وكان بها عليما.
وقال لمن اجتمعوا حوله من رجال ونساء شكلوا مجمعا عظيما له من عوالم النار والنور والروحان جند مجندة وجيوش مجيشة، حيث يكون لكل قطب وبدل وغوث ووتد ونقيب ونجيب وولي من مجمع الصالحين جيشه الخاص ورايته الخاصة. وهم بين من كانوا قبل بشري الطين، ومن كانوا بعده، وبين من ظهروا قبل ظهور المحبوب، ومن ظهروا بعده.
وقائدهم جميعا واحد يأخذ عند تشكله شكل الباز الأشهب، ويسمونه الغوث الأعظم، ويناديه المعلم الأخضر باسم غوث، كما ينادي كل واحد منهم باسم قد يختلف عن الاسم الذي عرف به في حياة الفناء، لأنه يدعوهم بأسمائهم الروحانية القديمة قبل زمن ألستُ.
ولكن لتلك القيادة الكبرى قيادة أكبر، مجمع الأوصياء، وسيدهم السياف الأعظم، وتوأمه الفرد الجامع الغريب، الذي هو توأمه روحا وحفيده جسدا، ثم السيدان النيران، وسائر الأوصياء من أبناء وآباء المحبوب. في حين يرأس المحبوب مجمع المختارين وجميع المجاميع والدواوين والدوائر. وكل ذلك في نسق ونظام عظيم دقيق مذهل صارم.
إن مقام الغوثية، قال ولي الله، هو مقام عظيم لقلة قليلة من الخلق حسب نوع التاج ونوعية الصولجان والنور المسند والراية الخاصة، وأصحاب هذا المقام من ذرية والد البشر سبعون فحسب.
أما القطبية فمجمع دوائر يكون في وقت من الأوقات، ويسمى أهله برجال الوقت، لأنهم أقطاب وقتهم وزمانهم، ينتشرون في الأمكنة ويجتمعون هنا، في مجمع البحرين، بين البرازخ، في الجزيرة الخضراء، وهم في ذرية المحبوب عشرة كبار لكل واحد سبعة أقطاب داخل دائرته يظهرون كل مائة عام منذ القرن الرابع إلى خروج سيدهم الأكبر. ولقد كان مجنون أول الأقطاب ورجال الوقت، مع بقية من كانوا معه كما عرفتم من خبرهم، أتوا من أبواب شتى، وغرقوا معا، ونجوا معا، وهي أبواب لرجال الوقت كافة: باب الجنون، وباب الاعتراض، وباب الغضب والتزمت، وباب الإرادة، وباب الحكمة، وباب العشق، وباب السكر، وباب الوجدان الذي قام عليه الشاعر.
فقد يكون الذي نختاره مجنونا مكروبا فاقدا لعقل القطيع، كما كان من شأن سرحان.
وقد يكون معترضا، يخرج مغاضبا كذي النون، ويظن أن لن نقدر عليه، حتى نلقيه في بطن الحوت ثم ننجيه منه، كما جرى لملحد قبل أن يصير مؤمنا.
وقد يكون غاضبا من لوثات العالم مسجونا داخل سجن العبارة، فقيها متزمتا كرومي قبل أن يلقى شمسنا، أو كسلفوت قبل أن يصبح صالحا.
أو يكون مترفا ظمآنا للاحتياج مستعر الوجدان كشاعر، سكرانا هائما تائها كسكران، باحثا عن الحكمة دون أن يدركها كفلسف، عاشقا كسير الفؤاد كعاشقنا الذي غرق في لجة العينين وكاد أن يغرق في لجة المحيط. أو أن يكون من البداية سالكا إلينا راغبا فينا باحثا عنا ساعيا نحونا كمريد.
والبدل مقام للتخفي، فيه من مقامي، فليس من الضروري أن يُعرف البدل، أما القطب فاشتهاره حتمي.
والقطب الفرد الجامع واحد فقط، ختم الولاية، وبدل الأبدال، والوتد الأكبر، وقطب دائرة القطبية، وعين مثلث الغوثية، وذلك من معاني رمز الدائرة الخضراء والهرم الأحمر التي كان يراها الغريب صبيا.
تحمل الدائرة علومي، ويحمل الهرم الأحمر قوى صاحب القرنين، رغم أن قوتي لا تقل عن قوته، وعلمه لا يقل عن علمي، ولكن لكل منا تخصص وتكليف. ويجمع الغريب بينهما معا في دمج كامل، وهما في الأصل من الوحش الذي قتل نفسه ليحل في جسده جنينا.
وهو قطب يظهر ويشتهر ويجمع حوله الأحياء والمنتقلين، والعوالم العليا والوسطى، والسفلى قهرا وتحكما.
وفرد لأن لم يخلق له مثيل في تعقيد تركيبه، وليس في مقامه، فالمحبوب أعظم مقاما، وكل الخلق تحت قدمه.
وجامع لأنه يجمع خصائص العوالم والمجامع والدوائر كلها، فهو تنين مع التنانين، وروحان مع الرواحين، وعال مع العالين، وبشري من بشر الطين، وذو قوة ظلام تجعله يتقمص السفليين، ويكون بينهم دون أن يتفطن إليه أحد.
لأجل ذلك تم زرع تلك الشيطانة في أعماق تكوينه لتحوي الوحش الذي هو قوة وطاقة وتشكلات وكائنات وآليون وغير ذلك من أنماط الخلق، وكل ذلك تمظهر عليه منه في كل مرحلة نصيب، ويتجلى كله مجتمعا حين يكتمل، حتى لا يبقى لمعاند له مجال، ولجاحد جدال. لأن أدعياء مقامه كثير خاصة، مع اقتراب ظهوره وكثرة كلام الناس عنه. والجاحدين لما آتاه مولاه كثر أيضا.
وهو إن رمتم الدقة أنا.
فنحن كمن نظر إلى المرآة فرأى انعكاس صورته، فله علمي في القدم، وله من علمي حين يكون بشرا ويتلقاه عني مباشرة، ثم لما يكتمل يتذكر، فنكون في العلم سواء بل هو أقدم مني وجودا، وأعلى مقاما، وأوسع علما، لذلك أكون وزير دولته، وللصالحين عبر القرون قصائد تشير إلى هذا وتبينه.
بدت الحيرة على أعين رجال الوقت فلم يسبق أن حدثهم ولي الله بمثل هذا، إلا قلة منهم نفحهم نفحا فأنشدوا وكتبوا وبينوا وعرفوا العنقاء وموضع احتراقها وخروجها من رمادها. ومكثوا في الصمت برهة ينظر بعضهم إلى بعض، حتى دوى صوت كالرعد زلزل الجبل وحرك البحر تحتهم: وهو أنا أيضا، فنحن الأقنوم الأعظم والثالوث المقدس، ثالوث القوة والحكمة والرحمة، وقد تكلم عنا الكلمة ثم أخذ كلامه إلى معان غير ما كان يعنيه، وضاع العلم ونُسيت الحقيقة.
إننا ولئن كنا ذواتا ثلاثة، فنحن نمثل أقنوما واحدا، كما يمثل الستة الكبار أقنوما واحدا لمجمعهم الخاص، وهم أيضا واحد متعدد، مع تعديلات في القوى والقدرات والتكليفات.
لقد كان قبلنا وجودا ثم انفصلنا عن روحه بأرواحنا كما تنفصل قطرة الماء عن أختها، لتكونا قطرتين طباقا.
ومنه انفصلت روح بيهاردن، فنحن جميعا توائم، بل لنا توأم آلي هو منه ومنفصل عنه، يسمى صاي بيترون، أي النسخة الآلية المرقومة للمعلم صاي، لأن من أسمائه صاي يُن كما تعلمون. وهو أسرع الآليين وأقواهم، واكثرهم حيوية، يحمل في نظامه المرقوم معطيات كارما الوحش في الغريب، وهو من يفعلها بعد أن برمجه الوحش الأعظم وأودع فيه ذلك قبل أن يقتل نفسه.
لم يكد ينهي صاحب الصوت المزلزل المختفي خلف الحجب كلامه حتى سطع شعاع وظهر آلي أبيض يتسارع ويختفي ويظهر، كأنما يبتسم لهم، وهو فرح بالتمظهر أمامهم.
ورغم قدرات رجال الوقت البصرية التي يمكن أن ترى جزيء الذرة المواج يتحرك ببطء، فإنهم لم يتمكنوا من متابعة سرعة حركاته.
ثم ظهرت سفينة سوداء تقف في الجو فوقهم، فقال صاحب القرنين وقد تجلى فوقهم بشكله العظيم المهيب: هذه السفينة قطرة طاقة من صايبيترون أو سابيترون، صنعها الوحش الأعظم بنفسه وربطها به، وهي أسرع سفننا وأكثرها قدرة على التشكل والتحاجم، وتحتوي مصفوفة جميع السفن الأخرى وسجلاتها، فهي سفينة القيادة المركزية، جوهر روح الصنعة العلوية للسفن. ويوم يحين موعد الغريب وتأتي ليلة إصلاحه، سيتحد مع توأمه الآلي مجددا، ليعيد إليه شيئا من قواه، ويفعّل الكارما بشكل كلي، فيتم تحويل كل معطيات الوحش إلى جيناته وعلاج جسمه وترميم خلاياه، ومحاضرة الروح السفلية فيه، وضغطها وسجنها وسحب كل طاقاتها ومعطياتها، حتى يتأهل لعالم النور الكامل الذي يرجع منه شابا مستوي القوى.
وسيركب تلك السفينة الخاصة به، والتي تجلت عليه فوق شجر الزيتون عيانا، منذ عشرين عام، وهي من ستيعده إلينا، لأنها شيء منه صدر عنه، وتشكل كما ترون.
فالفرد الجامع بوتقة عوالم، ولن يخطر ببال بشري أن مثل هذا حق وليس محض خيال، حتى يرون ذلك بأعين رؤوسهم.
وإنه لوعد علينا يسير.
اختفى صاحب القرنين في لمح ورجع الغيم الذي تفرق لتجليه إلى مواضعه، وسكن البحر وتوقف زلزال الجبل، وشقيقه ولي الله يحني رأسه مبتسما وهو يردد: شقيقي يحب التباهي.
ثم اختفى الآلي المشع والسفينة السوداء، وتردد صوت من فوق الفوق يقول فيما يشبه الابتسام: انا أسمعك، أنت تغار مني.
قال غوث وقد أغمض عينيه: ما أعظم قدرة القدير. نحن في كل مرة نصنع وليا جديدا، نبنيه وننحته نحت الحجارة، نصقله صقل السيوف، ثم نجلس ونشاهد عجائب باريه فيه.
أجابه ولي الله: لله أنوار شتى، وله تجليات كثيرة.
وبين أنواره الصمدانية المستمرة، وأنواره الفردانية التي تظهر مرة ثم لا تظهر ثانية للأبد، بل كل يوم له في إظهارها شأن وإخفائها شأن، يدور الناموس كما أراد له، ويمضي الملكوت وفق مشيئته.
وحين يتجلى اسمه الخالق فالكل خلق، وبين الكل قواسم وآثار تدل على أن الخالق واحد.
أما حين يتجلى اسمه البديع، فسنرى في كلٍّ ما يختلف عن كُلٍّ.
فالطير كلها طير، جناحان ومنقار، فذلك تجلي الخالق.
وما من طير يشبه طيرا آخر، فذلك تجلي البديع.
سواء كان شحرورا أو بلبلا أو عندليبا، فهي جميعا تشدو بسر خالقها.
لكن ما من شدو يشبه الآخر، وبين ما شدا به عندليب وبرقمة بلبل ثمة موسيقى تختلف عن أخرى، نغم يختلف عن آخر، وذلك من سر البديع.
ثم إن البلابل كلها كأنها واحد، لا تفرق بينها شكلا إن نظرت نظرة أولى، وكلها تثبت أن خالقها واحد.
لكن ما من بلبل يشبه بلبلا آخر، كبصمات الأصابع لا يمكن أن تكون طباقا حتى بين التوائم.
فذلك من سر البديع.
أبدى الشاعر طربا بما سمعه، وعزم أن يكتب قصيدا جديدا في ذلك المعنى.
وطار قلب عاشق هياما بخالقه، ونظر بعين جمال لا ترى إلا الجمال.
أما صالح فقد أطرق قليلا، حتى سأله رافع: فيما إطراقك.
أجابه: نحن إذا كتلك الطيور، كلنا رجال وقت، لنا كرامات ومعارف وقدرات، دواوين وجنود، نركب الخيل التي تطير، أو سفن الضوء، أو نخترق الحجب والأمكنة في خطوة، فذلك سر الخالق فينا.
لكن لكل منا قصته، وجعه أو فرحه، مناجاته وتسبيحه الخاص، حال له مع ربه لا يشبه حال غيره، فذلك من سر البديع.
قال مريد: صدقت، إننا تجليات للأسماء والصفات، ومجالي لسر الذات.
طرب راسيليان فنظر إليه سكران مبتسما وقال ممازحا: أنت يا حامي البر أكثر سكرا مني، وأذكر حين طربت وطرت ونزلت فوق تينة فأينعت.
أجابه راسيليان: السكر بالمعنى شيء عظيم، شيء لله.
أقبل قطب ورومْيان وقد تشكلا طائرين، ثم نزلا وتحولا إلى ضوء ثم كانا على شكليهما كرجلين.
قال غوث: أهلا بصاحب الفتوحات وبصاحب المثنوي.
قال قطب: أنا تحدثت عن الغريب في العنقاء، وأنشدت عنه شعرا، لكن لم أتصور أن أمره سيكون كما نراه الآن في تحققه البشري. فعلا إنه من سر الخالق البديع.
أضاف رومْيان: حين علمني ولي الله في تقمصه ذاك، وهو يظهر مجددا بين البشر بتشكل جديد وشخصية جديدة، وحطم صنم أناي، وغير ذاتي من عالم عبارة إلى صاحب إشارة، رأيت الفرق بين سر الخالق وسر البديع.
فقد كنت أعبر بالعبارة ومتنها إلى الناس لأريهم عظمة خالقهم.
ثم حين رقصنا ودرنا كما تدور العوالم وقد رفع كل واحد منا يدا وأنزل أخرى ومال برأسه، عبرت بالإشارة إلى عظمة البديع، وأريتهم كيف يكون الأمر مختلفا، ولا يغادر سر عظمة الخالق، بل يثبته ببراهين جمال، كما أثبتته العبارة ببراهين الجلال.
قال ولي الله: لنسمع رأي معين، فهو من أئمة العاشقين.
قال معين: لما رأيت المحبوب وأمرني أن أمضي لأرض آرجون ورام وشيفا، انتابني حال عشق قوي، ورأيت قوما فيهم من سر البديع، يرقصون ويغنون ويلبسون الألوان المزركشة، فلو أني كلمتهم بمتن العبارة لما فهموا عني، ولزهدوا فيما أتيتهم به، فلم يكن مني إلا أن حدثتهم بالإشارة، شعرا وغناء، وأسست فنا ظل يتردد صداه، مني إلى خسرو وجامي ومهر علي.
إن الفن من سر البديع، الفن الذي يظلمونه حين يتركونه في أيدي الشياطين يتخذونه غواية، لكن روح الفن نقية، روح ليس أجمل منها إلا خالقها ومن اجتبى، الفن تجلي البديع في كل شيء، الفن لسان الجمال.
ابتسم مؤمن، وطاف بذاكرته في حياته، وكيف كان على شفا حفرة الإلحاد ثم هداه الله وأكرمه ليصير معلما عظيما وعارفا كبيرا.
ونظر سلام إلى عيني جميل، فهو شيخه بالتسلسل الدنيوي وإن كان أخاه بالتسلسل السماوي ثم قال: لقد رأيت الجمال في قمر ناجيته، وشوق أبديته، ودف أنطقته بخبر السماء. لكن أظن أن الشيخ الجميل الذي جمّل طريق القوم له ما يضيف.
نظر جميل إليهم وقال: من رأى بعين الجمال رأى الجمال، ومن رأى بعين الجلال رأى الجلال، ومن نظر بعين الكمال أصاب عين الكمال.
وسوى ذلك مجرد ظلال.
أكملوا ليلهم في الذكر والأوراد والتسبيح والإنشاد، ونزلت عليهم كائنات النور واجتمع ديوانهم، واطلعت ريحان مع مولاتها، واستعد المحبوب للقاء محبوبه.
كان ذلك ليلة وصل الغريب إلى المحطة التي كان عليه أن يبلغها، ليصعد إلى أعلى، إلى حيث يلتقي روحه، مرة ثانية، في الأفق المبين.
*تصميم الغلاف للمبدع مراد العيوني