2 دقائق للقراءة
العلوم الاستراتيجية علوم دقيقة لا تقوم على العاطفة.
أما ما يكون من شأن العواطف والقصائد والوجدانيات: فنحن مع فلسطين روحا وقلبا وموقفا. ونحن مع المقاومة للعدو الغاشم، مغتصب الأرض، قاتل الأطفال والنساء، المدنس لقدس أقداسنا، المنتهك لكل القوانين الدولية، كلب الغرب المسعور الذي أطلقوه لينهش لحمنا، وشيطان آخر الزمان الذي تنتظره محرقة الرب العظمى.
وهذا موقف قديم نجدد الإعلان عنه، ولا نتوانى أو نتراجع أو نخاف.
لكن….
العقل الاستراتيجي عليه أن يفكك وأن يحلل وأن يبحث وأن يعيد ترتيب الحسابات، وأن يرى ما خفي ويستشف ما بطن، ويستشرف الأمور بدقة.
ما كتبته عن المصيدة التي قد تكون وقعت فيها المقاومة، أغضب الكثيرين ممن يعلمون جيدا مواقفي وممن لا يعلمون عن الأمر شيئا.
وكل ذلك فوران عاطفة، ورغبة ملحة في هزيمة العدو وكسـر شوكته، دون تمحيص أو روية.
وأقول لهم: لنفترض أن الجمهورية الإسلامية والمقاومة اللبنانية كانتا على اطلاع على طوفان الأقصى قبل تنفيذه، فالأمر على بابين: *إما دقة نظر وسلامة رؤية، مع إعداد المحكم لردة الفعل عسكريا واستراتيجيا واقتصاديا، وضمان حماية المدنيين.
واستشراف واقعي لنتائج ذلك الطوفان وأثره، ورؤية وجوه أخرى لتلك النتائج، مثل إنقاذ حكومة ناتنياهو المفلسة المنتهية، ومنحها قضية وحربا مقدسة في دولة تتنفس بالحرب، ومنح اللوبي الصهيوني في أمريكا والغرب ورقة ضغط شبيهة بتلك التي منحتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر المفتعلة للمحافظين الجدد والصهاينة، خاصة بعد تركيز أولئك على الحرب الروسية الأوكرانية ودعم أوكرانيا على حساب دولة الصهاينة ولو جزئيا.
ومنح العدو المبرر القوي لحرب إبادة كان ينتظرها ويمتلك القدرات العسكرية على تنفيذها.
*أو باب المضي في الأمر إلى آخره، من ضرب قاس لقدرات العدو العسكرية، وإسقاط طائراته، بعد امتلاك الأسباب التي كان يجب أن تكون متوفرة قبل القيام بعملية بذلك الحجم، وصولا إلى إطلاق حرب إقليمية وضرب عقر دار الصهاينة بشكل مباشر وقوي، وتحمل تبعات ذلك، طالما تمت الموافقة من البداية على عملية الطوفان.
أما أن تقوم عملية ناجحة تكتيكيا، مع نقاط استفهام كبرى حولها، وحول توقيتها وتغطيتها الإعلامية ومشاهدها، ثم تعقبها إبادة شعب دون أية قوة رادعة له، ودون أي موقف يرعب الصهاينة ويعيد الأسطول الأمريكي من حيث جاء، فهذا في العين الاستراتيجية حساب خاطئ أو فخ محكم، وتسبب مباشر في التقتيل والتدمير، ومنح ورقة لعدو يحسن استغلال كل حرف فيها.
علينا أن نراجع الأمور بتعقل.
ولا يعني تخليا عن القضية، أو ضربا للمقاومة، أو تحالفا وخدمة للعدو.
على الشارع العربي أن يتحرك، بمظاهرات أكبر مما كان فيما سمي بثورات الربيع العربي، وأن تضغط الشعوب على حكومات دولها، لتفعيل كل قوى الضغط الممكنة، من البترول إلى المقاطعة الاقتصادية ومختلف السبل، لوقف فوري لحرب الإبادة الحالية.
حساباتي الاستشرافية تشير إلى أمور أكثر فظاعة وأشد ضررا، وأرجو أن لا يكون من ذلك شيء، وأن يتوقف القصف، ولا يتم التهجير القسري، وبقية ما ترتسم ملامحه لمن يستطيع النظر.
وسنبقى مع فلسطين وشعبها، ومع كل نفس مقاوم شريف، ومع جميع الأحرار موقفا وكلمة وثباتا.