2 دقائق للقراءة
….وزارتني صديقتي القديمة.
بغتة كعادتها، حطت بثقلها، وأثقلت كل شيء، عقارب الساعة، وأصابعي، والليل الذي كان يمر دونها سريعا كطيف الجنيات.
أقبلت وعانقت وقبّلت، ومن فرط اشتياقها إلي لم تسمح لي بمغادرة الفراش ولا النوم في ليلتها الأولى، ثم خف شغفها وهمد نهمها، وبدأت تسترد شيئا من عقلها، لتقول لي وهي تضمني بحرارة، والعرق ينسكب أنهارا من جسدي، مع شعور رهيب بالبرد، يتوغل في العظام: أظن أنك نسيتني، ولم تعد تذكرني.
دعني أذكرك بطول صحبتي لك، وبكل درس تعلمته مني.
فليس على العاقل إن نسي، إلا أن يتذكر.
وإن هو تناسى، فعليه بما يدفعه للذكرى دفعا، ويرفع عنه النسي رفعا.
لقد سكنتك طفلا، وضممتك يافعا، واختلفت إليك شابا، وأشعلت جسمك وروحك كهلا.
لكنك تتعمد إنكار فضلي عليك، وآيات جودي لديك.
فعندما كنت أبلوك منذ سنيّك البكر، كنت تشتعل بأوار نار السموم، وتخرج كالمارد عندما تتعافى، تزداد قوة، وسرعة، وحزما.
حتى حين قاربت بك الحافة، لم أجدك قلبا جزعا، ولما رجعت وجدت للحياة معنى لم تكن تجده من قبل، وعرفت أنك بين الأحياء لأمر أكبر مما كنت تظن.
وآخر موعد بيننا كان ببطن الحوت، هنالك وجدت للدنيا غاية معناها، ولما بعدها جوهر معناه.
الآن تنساني وتنكرني، وأنا خلف قصائدك، وفكرك، وتأملاتك.
مع صاحب لي اسمه العشق، له مثل أثري، وإن كان أشد سطوة، وأطول أمدا، وأوسع ضررا.
سأرحل عنك بقلب منكسر، بعد أن منعتك شرب الماء وجرعتك الويلات لأجل قطرة منه، لتدرك نعما لله لعلك لم تعد تشعر بها، حتى في شربة ماء.
ولست أدري كيف أكرهك لهذا الحد، وأعشقك وأشتاقك ايضا، وما سمعت عاشقة أحقد أو صاحبة أعقد.
صمت قليلا، وأنا أسترد طاقتي، ثم ابتسمت لصاحبتي اللدودة، وعاشقتي الحقودة، وقلت لها:
أعتذر منك، من أعماق قلب اخترقته، وجسد أحرقته.
فمعذرة، أيتها الحمى.
ورحم الله المتنبي.