3 دقائق للقراءة
زيارة ضريح الشيخ بوعمامة (23/07/2017)
من رجال الله الثابتين، وأهل التصوف الحق الصادقين، والمجاهدين الكبار الذين علموا التاريخ دروسا لا تنسى في الإباء والصمود والعزة، والزهد في الدنيا وما فيها، وعشق الوطن. جاهد ضد المستعمر الفرنسي مدة 23 سنة، بداية من عام 1882 إلى 1904، وهو من سلالة من الصالحين والمجاهدين، تمتد إلى جده الشيخ عبد القادر محمد (الملقب بسيدي الشيخ)، وإليه آلت مشيخة طريقته (الطريقة الشيخية الشاذلية).
وبين التصوف وحقيقته، والنضال ضد المستعمر، كان الشيخ بوعمامة جبلا بقمّتين: قمة العرفان والإحسان، وقمة الجهاد والتضحية من أجل الدين والوطن ودفاعا عن الأرض والعرض، وليس غريبا على قبيلة أولاد سيدي الشيخ الذين بدأت ثورتهم منذ سنة 1845، ولا هو بالغريب عن رجال الصوفية الحق، من أمثال الأمير عبد القادر والشيخ عمر المختار، مما يصفع إفك ويفضح زيف من يدعي أن الصوفيين كانوا من أهل الخمول وأعانوا المستعمر على أوطانهم، أو كانوا ممن يترك هموم الناس ويعتكف في الزاوية منزويا، أو لم يكن لهم فعل وموقف وأثر، أو كانوا أهل شرك وبدعة وعونا للكفرة الفجرة.
الشيخ بوعمامة رجل من أهل الله، وليّ من أولياءه، شهد له بذلك مشايخ القبائل ورجال الطرق والزوايا، كما شهد له التاريخ، واعترف المستعمر نفسه بأنه كان عصيّا منيعا، لم تطق نفسه الضيم ولا ركن لزخرف الدنيا قلبه، ولم يرهب من الوعيد ولا استطاعوا هزمه بكل ما أعدوا وبكل الخونة الذين أيدوهم وناصروهم، أفنى في الجهاد الحق عمره، لا جهاد الحمقى الذين يخربون أوطانهم بأيديهم تحت خدَر الصهيوهابية كما نرى اليوم، بل ذودا عن بلاده ضد مغتصبين فجرة وظالمين كفرة اغتصبوا الأرض وهتكوا العرض وقتلوا الناس ونكلوا بهم فلم يرحموا كبيرا ولا صغيرا ولا امرأة ولا طفلا، بل خربوا مدنا وقرى، وفجّروا ضريح سيدي الشيخ ليستلوا القوة الروحانية من المجاهدين وخيّب الله مسعاهم، مما يحفز الفهم حين نرى تفجير الأضرحة والمقامات اليوم فالمدبّر واحد والخطة واحدة.
زيارة ضريح بوعمامة الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى سنة 1908 في مدينة العيون سيدي ملوك قريبا من وجدة شرقي المغرب، هو شرف كبير، برفقة أحفاده (الشيخ الدكتور بالحرمة والشيخ بوعمامة بن الشيخ سيدي حمزة بن عبد الحاكم بن الطيب بن أبي عمامة البوشيخى الصديقي، وبرفقة أحبة من أولاد سيدي الشيخ على رأسهم الدكتور جلول صدّيقي مدير معهد الغزالي بباريس، والدكتور لخضر بن قومار، والدكتور كريم إفراق العالم في الاسلاميات، وكم تختلط المشاعر حين تكون في حضرة رجل من رجال الله الصّادقين الثّابتين، وتشعر حينها بهوان الدنيا وضيقها على أمثاله من الرجال، وبأن ما عند الله خير وأبقى، وترى بعين القلب والروح حقيقة أهل الله وحقيقة نضالهم وحقيقة معندهم فتزداد لهم حبا وتروم حماهم ولا تبرح رحابهم وتبتغي أن تقتفي أثرهم لعلّك تكون أقرب رشدا وتكون من الفائزين، وتفهم حينها أكثر مكانة الصالحين ولماذا أنبياء يطلبون مقامهم (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) كما قال يوسف وسليمان عليهما السلام.
والحقيقة أني تشرفت وسعدت كثيرا بزيارة الزاوية الشيخية ولقاء شيخها الشيخ سيدي حمزة وزيارة خلوة وضريح جده الشيخ سيدي الطيب ابن سيدي بوعمامة، وتشرفت بمشاهد الفرسان الذين يستحضرون زمنا من البطولات والفروسية والبسالة الفريدة.
فلتكن شهادة حق لمن رام الحق وطلبه، وصفعة حق لمن صرعه الباطل وغلَبه، ولي شرف الانتماء إلى أهل التصوف محبة وعقيدة على بيّنة وحجة في سلسلة نورانية تمتد بسند موصول غير مقطوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى آل البيت عليهم السلام والصحابة رضوان الله عليهم. ضمن المدرسة السنية المغاربية (في عقد الأشعري وفقه مالك..وفي طريقة الجنيد السالك) وضمن الإسلام المحمدي الرحب الفسيح دون تعصّب ولا تطرّف.
سلام الله على أهل الله دائما أبدا.